- بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبيه الكريم
وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد :
فالحكم الشرعي الثابت في قتل المرتد هو قوله عليه الصلاة والسلام: "من بدل دينه فاقتلوه "ولا ناسخ لهذا الأمر ولا مخصص له،
وأما ترك قتل المرتدين خشية أن يقال "إن محمدا يقتل أصحابه" فقد ذكر أهل العلم انه دائر بين الخصوصية والنسخ وهذه أقوالهم في المسألة:
1- قال ابن حجر: (وكان النبي صلى الله عليه و سلم في أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه ولذلك قال لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام وقل أهل الكفر وذلوا أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر). فتح الباري - ابن حجر - 8 / 336
2- وأشار شيخ الاسلام ابن تيمية إلى نسخ هذا الحكم فقال: (إنما لم يقتلهم لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه فإن الناس ينظرون إلى ظاهر الأمر فيرون واحدا من أصحابه قد قتل فيظن الظان أنه يقتل بعض أصحابه على غرض أو حقد أو نحو ذلك فينفر الناس عن الدخول في الإسلام و إذا كان من شريعته أن يتألف الناس على الإسلام بالأموال العظيمة ليقوم دين الله و تعلو كلمته فلأن يتألفهم بالعفو أولى و أحرى، فلما أنزل الله تعالى براءة و نهاه عن الصلاة على المنافقين و القيام على قبورهم و أمره أن يجاهد الكفار و المنافقين و يغلظ عليهم نسخ جميع ما كان المنافقون يعاملون به من العفو كما نسخ ما كان الكفار يعاملون به من الكف عمن سالم و لم يبق إلا إقامة الحدود و إعلاء كلمة الله في حق كل إنسان). الصارم المسلول - 1 / 243
3- ذكر النووي أن الامر خاص بظروف بداية الإسلام فقط فقال:
(قالوا وإنما تركه النبي صلى الله عليه و سلم لأنه كان في أول الاسلام يتألف الناس ويدفع بالتي هي أحسن ويصبر على أذى المنافقين ومن في قلبه مرض ويقول يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ويقول لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وقد قال الله تعالى ولا تزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين). شرح النووي على مسلم - 15 / 108
4- ذكر ابن القيم إلى أن المسألة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
( كان فى ترك قتلهم فى حياة النبى صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مصلحة تتضمن تأليفَ القلوب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وجمع كلمة الناس عليه، وكان فى قتلهم تنفيرٌ، والإسلام بعدُ فى غُربة، ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أحرصُ شىْءٍ على تأليف الناسِ، وأتركُ شىْء لما يُنَفِّرُهم عن الدخول فى طاعته، وهذا أمر كان يختصُّ بحال حياته صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وكذلك تركُ قتل مَن طعن عليه فى حكمه بقوله فى قصة الزُّبير وخصمه: أنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. وفى قسمه بقوله: إنَّ هذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. وقول الآخر له: إنك لم تعدِل، فإنَّ هذا محضُ حقه، له أن يستوفِيَه، وله أن يترُكَه، وليس للأُمة بعده تركُ استيفاء حقِّه، بل يتعينُ عليهم استيفاؤه، ولا بُدَّ، ). زاد المعاد في هدي خير العباد - 3 / 568
إذن فهذا الأمر دائر بين الخصوصية والنسخ ولا يجوز أن يكون ذريعة لتعطيل الأحكام الشرعية الثابتة .http://www.muslm.net/vb/showthread.php?495776-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B4%D8%A8%D9%87%D8%A9-(%D8%A3%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%86-%D9%8A%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D9%86-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%D9%84-%D9%8A%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A3%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D9%87)
محارب دول الطاغوت
السبت، 19 يناير 2013
الرد على شبهة :(أتريدون أن يقال أن محمداً يقتل أصحابه)
الاثنين، 3 ديسمبر 2012
التقريرات في مشروعية المظاهرات // للشيخ أبي المنذر الشنقيطي -حفظه الله تعالى-
.

لفضيلة الشيخ : أبي المنذر الشنقيطي -حفظه الله تعالى-
رابط للتحميل:
http://www.tawhed.ws/dl?i=01041101
http://mir.cr/1QU2CEYS
http://mir.cr/IQVJ766C
http://www.mediafire.com/?rvrb06db0b6amsd
وﻻ تنسوا المجاهدين
من دعائكم الصالح
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : لم أكن أبدا أظن بأني سأحتاج إلى جمع الأدلة من أجل البرهنة على مشروعية ما لا برهان على عدم مشروعيته ..! عندما بدأت في تقرير حقيقة تدركها حتى ربات الخدور المخبئات أيقنت بالفعل أن توضيح الواضحات من أصعب المهمات ..! لقد راج بين الناس اليوم أقوال وفتاوى تزعم حرمة التظاهر ضد هذه الأنظمة المبدلة لشرع الله والموالية لأعداء الله .. والحقيقة أن هذه الفتاوى التي أراد لها الحكام أن تروج وتنتشر لا تستمد حجيتها من وضوح الدليل وقوة البرهان .. بل تعتمد على التقليد المحض للهيئات الدينية والشيوخ المعروفين دون التحقيق والبحث فيما يقولون، والناس إنما يتقبلون أقوالهم من باب الثقة وإحسان الظن بهم، وذلك باب من أبواب انتشار التأويلات الباطلة والأقوال المنحرفة . قال ابن القيم في بيان أسباب قبول التأويل الفاسد: ( السبب الثالث: أن يَعْزُو المتأوِّلُ تأويلَه إلى جليلِ القَدْر، نبيلِ الذِّكر، مِن العقلاء، أو مِن آل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو مَن حصل له في الأمَّة ثناءٌ جميل ولسانُ صِدق؛ ليُحلِّيه بذلك في قلوب الجُهَّال، فإنَّه من شأن الناسِ تعظيمُ كلامِ مَن يَعظُمُ قدْرُه في نفوسهم، حتى إنَّهم لَيُقدِّمون كلامَه على كلام الله ورسوله، ويقولون: هو أعلمُ بالله منَّا! وبهذا الطريق توصَّل الرافضةُ والباطنيَّةُ والإسماعليَّةُ والنُّصيريَّة إلى تنفيقِ باطلهم وتأويلاتِهم حين أضافوها إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا علموا أنَّ المسلمين متَّفقون على مَحبَّتِهم وتعظيمِهم، فانتمَوا إليهم وأظهروا مِن مَحبَّتِهم وإجلالهم وذِكر مناقبهم ما خُيِّل إلى السَّامع أنَّهم أولياؤهم، ثم نفقوا باطلَهم بنسبتِه إليهم. فلا إله إلاَّ الله! كم مِن زندقَةٍ وإلحادٍ وبدعةٍ قد نفقت في الوجود بسبب ذلك، وهم بُرآءُ منها. وإذا تأمَّلتَ هذا السَّببَ رأيتَه هو الغالب على أكثر النفوس، فليس معهم سوى إحسان الظنِّ بالقائل، بلا بُرهان من الله قادَهم إلى ذلك، وهذا ميراثٌ بالتعصيب من الذين عارضوا دين الرُّسل بما كان عليه الآباء والأسلاف، وهذا شأنُ كلِّ مقلِّدٍ لِمَن يعظمه فيما خالف فيه الحقَّ إلى يوم القيامة ) مختصر الصواعق المرسلة (1/90). ولم يكتف هؤلاء الشيوخ بمنع التظاهر ضد الحكام بل أثنوا عليهم أحسن الثناء وبالغوا في المديح لهم والإطراء وفي الوقت نفسه تغاضوا عن مساوئهم وجرائمهم الشنعاء .. وقد كان أهل العلم قديما لا يذكرون هؤلاء الظلمة بالثناء أو المديح ..وإنما يصرحون بذمهم إذا أمنوا ويلوحون به إذا خافوا .. ولم ينقل عنهم شيء في الثناء تلويحا أو تصريحا .. قال ابن خلكان في ترجمة أبي الحسن عليّ بن محمد الملقّب عماد الدّين، المعروف بالكيا الهرّاسي الشّافعيّ : (وسئل إلكيا عن يزيد بن معاوية فقال: إنّه لم يكن من الصّحابة، لأنّه ولد في أيّام عمر ابن الخطّاب - رضي الله عنه - وأمّا قول السّلف؛ ففيه لأحمد قولان: تلويح وتصريح، ولمالك قولان: تلويح وتصريح، ولأبي حنيفة قولان: تلويح وتصريح، ولنا قول واحد: تصريح دون تلويح. كيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، والمتصيّد بالفهود، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم، ومنه قوله:
وكتب فصلاً
طويلاً، ثمّ قلب الورقة وكتب: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرّجل؛
وكتب فلان ابن فلان) (وفيات الأعيان 3/251) . وكان عمر ابن عبد العزيز يعاقب من يسمي يزيدا أمير المؤمنين
.. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب :
(وقال يحيى بن عبدالملك بن أبي غنية أحد الثقات ثنا نوفل بن أبي
عقرب ثقة قال كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر رجل يزيد بن معاوية فقال قال أمير
المؤمنين يزيد فقال عمر تقول أمير المؤمنين يزيد !! وأمر به فضرب عشرين سوطا) تهذيب
التهذيب - (11 / 317) والقصة رواها أيضا الذهبي
في سير أعلام النبلاء - (4 / 40) ولا شك أن يزيدا
أفضل من عملاء الغرب في زماننا وأن من يسميهم ولاة الأمر أشنع جرما ممن يسمي يزيدا
أمير المؤمنين .. تتغير صورة أهل العلم تماما
عندما يحاولون تغيير الدين بجعله خادما لمصالح الأنظمة ! وهم في هذه المهمة قد يجعلون الحرام حلالا، والحلال حراما ..
والطاغية بطلا مقداما .. والضحية صعلوكا هداما
..! وليس من الصدفة أن يكون أصحاب الفتاوى
المحرمة للمظاهرات هم أصحاب المناصب العلية والألقاب السامية التي خلعها عليهم
النظام عندما اختاروا عناقه في مسيرته الحافلة بالطغيان والإجرام ..
وكما قام النظام بتجميلهم بهذه الألقاب والمناصب فقد قاموا هم
أيضا بتلميعه وتحسين صورته .. فكانوا مجرد لوحة (دينية) في بيت النظام تمكنت لفترة
طويلة من إخفاء صورته البشعة .. واليوم وبعد أن
سقطت الأقنعة وبانت حقيقة الأنظمة وتحركت الجماهير من أجل الخلاص منها ومن ظلمها
وجبروتها وتسلطها قام الجهاز الأمني- الديني بالترويج للفتاوى المحرمة للمظاهرات
على أساس أنها هي رأي الدين ! والمحصلة النهائية
لهذه الفتاوى أن الإسلام يحرم التظاهر ضد حكام حاربوا شرع الله ووالوا أعداء الله
وفتحوا بلاد المسلمين أمام الغزاة الأمريكيين وأعانوهم على سفك الدماء ونهب الثروات
وانتهاك الأعراض !!! وقد كتبت هذه السطور من أجل
بيان ما في تلك الفتاوى من الزيف والتحريف وأنها من القول على الله بغير علم
. ونسأل الله تعالى العون والسداد ونسأله أن يرزق
أصحاب هذه الفتاوى التوبة ويعصمهم من الإصرار والعناد .
لقد دلت
الأدلة من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز لأحد أن ينسب الحكم إلى الله تعالى ويصرح
بالتحريم أو التحليل إلا مع وجود النصوص الظاهرة والأدلة البينة .
وما لم تقم هذه الأدلة فلا ينبغي لأحد أن ينسب الحكم إلى الله
عز وجل . وقد دل على ذلك الكتاب والسنة :
الأدلة من الكتاب :
1- قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 33] 2- قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:59] 3- قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]، 4- قال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا} [الأنعام:150].
الأدلة من السنة :
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله" الحديث. وفيه: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري، أتصيب حكم الله فيهم أم لا" . رواه مسلم في صحيحه. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي تعليقا على هذا الحديث : (وفيه النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن نسبة حكم إلى الله، حتى يعلم بأن هذا حكم الله الذي شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأجل هذا كان أهل العلم لا يتجرؤون على القول بالتحريم والتحليل إلا بنص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.) [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - (7 / 348)] وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينسبون الحكم إلى الله تعالى أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان من اجتهادهم وإنما ينسبونه إلى أنفسهم؛ ومن أمثلة ذلك: - عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وكسب البغي وثمن الكلب قال وعسب الفحل قال وقال أبو هريرة هذه من كيسي) مسند أحمد - (13 / 355) - وعن عبد الله بن عتبة قال أتى ابن مسعود في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يفرض لها ولم يدخل بها فسئل عنها شهرا فلم يقل فيها شيئا ثم سألوه فقال أقول فيها برأيي فإن يك خطأ فمني ومن الشيطان وإن يك صوابا فمن الله لها صدقة إحدى نسائها ولها الميراث وعليها العدة فقام رجل من أشجع فقال أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع ابنة واشق) مسند أحمد - (30 / 406) وكان هذا هو دأب السلف رضي الله عنهم فكانوا حريصين على عدم إطلاق وصف التحريم والتحليل إلا فيما دلت عليه الأدلة البينة . قال الأعمش : « ما سمعت إبراهيم يقول قط : حلال ولا حرام ،إنما كان يقول : كانوا يكرهون، وكانوا يستحبون » سنن الدارمي . وقال ابن عبد البر : 1090- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا عبيدة بن حميد، عن عطاء بن السائب، قال: قال الربيع بن خيثم، إياكم أن يقول الرجل لشيء: إن الله حرم هذا أو نهى عنه، فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه. قال: أو يقول: إن الله أحل هذا وأمر به، فيقول: كذبت لم أحله ولم آمر به. - وذكر ابن وهب وعتيق بن يعقوب، أنهما سمعا مالك بن أنس، يقول: لم يكن من أمر الناس ولا مَن مضى من سلفنا ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا ونرى هذا حسنا، ونتقي هذا، ولا نرى هذا، وزاد عتيق بن يعقوب، ولا يقولون: حلال ولا حرام، أما سمعت قول الله، عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] الحلال: ما أحله الله ورسوله، والحرام: ما حرمه الله ورسوله . - قال أبو عمر: معنى قول مالك هذا: إن ما أخذ من العلم رأيا واستحسانا لم نقل فيه حلال ولا حرام، والله أعلم. - وقد روي عن مالك أنه قال في بعض ما كان ينزل فيسأل عنه فيجتهد فيه رأيه: إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين. - ولقد أحسن أبو العتاهية حيث قال: وما كل الظنون تكون حقا ولا كل الصواب على القياس) [جامع بيان العلم وفضله - (2 / 286)]. وقال الشاطبي في الاعتصام : (وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحاً أن يقولوا : هذا حلال وهذا حرام . ويتحامون هذه العبارة خوفاً مما في الآية من قوله : "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب" وحكى مالك عمن تقدمه هذا المعنى . فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها : أكره هذا، ولا أحب هذا، وهذا مكروه .) [الاعتصام للشاطبي - (1 / 353)]. وقال ابن القيم : (ولكن لا يجوز أن يقول لما أداه إليه اجتهاده ولم يظفر فيه بنص عن الله ورسوله إن الله حرم كذا وأوجب كذا وأباح كذا وإن هذا هو حكم الله) [إعلام الموقعين - (1 / 44)]. وفي هذا دليل على مجازفة من أفتى بحرمة المظاهرات بلا أدلة شرعية . ونحن إنما صرحنا بمشروعيتها حملا على الأصل الذي هو الإباحة وسنذكر إن شاء الله الأدلة على صحة هذه القاعدة .
ذكرنا أن من أصدروا هذه الفتاوى المحرمة للمظاهرات لا يعتمدون على أي أدلة
شرعية، ولبيان بطلان هذه الفتاوى لا بد من ذكر بعض الأدلة الدالة على مشروعية
المظاهرات، وهذا بيان تلك الأدلة :
الدليل الأول: قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة"
المظاهرات لم يرد في الشرع ما يقتضي منعها والأصل فيها الإباحة حتى يرد مانع، وهي باقية على الأصل في المشروعية والإباحة ومن زعم الحرمة فعليه الدليل . فالقاعدة الفقهية تقول : الأصل في الأشياء الإباحة . ومعنى هذه القاعدة : أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا أتى ما يدل على تحريم ذلك الشيء .. وهذا يعم الأعيان والمنافع والمعاملات والأفعال، وكل شيء الأصل فيه الحل . ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا العبادات كما قال الناظم :
فالأصل في
الأعيان الحل : فكل نبت أو حيوان في البر أو البحر فالأصل فيه الحل فيشرع أكله ما
لم يقم دليل على حرمته . و الأصل في المنافع
الإباحة : فيجوز للإنسان الانتفاع بكل ما خلق الله في الأرض ما لم يرد دليل بحرمة
هذا الانتفاع . والأصل في الأعمال الحل إذا لم
تكن عبادة : فكل فعل أو نشاط أو حركة الأصل فيه الإباحة ما لم يرد دليل بالمنع
.
أدلة القاعدة :
ومن الأدلة على صحة هذه القاعدة :
الأدلة من الكتاب :
1- قال تعالى في كتابه : ** وَقَدْ فَصلَّ لكُمْ ما حَرَّم عليْكُم } [ الأنعام : 119 ] . قال شيخ الإسلام: (والتفصيل التبيين، فبين أنه بين المحرمات، فما لم يبين تحريمه فليس بمحرم، وما ليس بمحرم فهو حلال، إذ ليس إلا حلال أو حرام ) [ مجموع الفتاوى ( 21/536 ) ]. 2- قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية: 13] فعمت الآية وأكدت التعميم، : "ما " اسم موصول تفيد العموم، ثم تأكد هذا العموم بقوله تعالى : "جمعيا". قال القرطبي : (استدل من قال إن أصل الأشياء التي ينتفع بها الإباحة بهذه الآية وما كان مثلها حتى يقوم الدليل على الحظر. وعضدوا هذا بأن قالوا: إن المآكل الشهية خلقت مع إمكان ألا تخلق فلم تخلق عبثا، فلا بد لها من منفعة. وتلك المنفعة لا يصح رجوعها إلى الله تعالى لاستغنائه بذاته، فهي راجعة إلينا ) [تفسير القرطبي - (1 / 251)]. 3- قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } قال الشوكاني : ( فإنه سبحانه أنكر على من حرم ذلك، فوجب أن لا تثبت حرمته، وإذا لم تثبت حرمته امتنع ثبوت الحرمة في فرد من أفراده؛ لأن المطلق جزء من المقيد، فلو ثبتت الحرمة في فرد من أفراده، لثبتت الحرمة في زينة الله، وفي الطيبات من الرزق، وإذا انتفت الحرمة بالكلية ثبتت الإباحة.) [إرشاد الفحول - (2 / 284)]. 4- قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا....} الآية .. [الأنعام: 145]، فجعل الله تعالى الأصل الإباحة، والتحريم مستثنى.
الأدلة من السنة :
1- عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن أعظم الناس في المسلمين جرما من سأل عن مسألة لم تحرم، فحرم على المسلمين من أجل مسألته) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام. وجه الدلالة من الحديث أن الشيء لا يكون محرما حتى يرد النص بتحريمه . 2- عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وتلا :** قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما }إلى آخر الآية . رواه أبو داود بإسناد صحيح . 3- عن سلمان الفارسي قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن السمن، والجبن، والفراء، قال: "الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عَفَا عنه" أخرجه الترمذي في كتاب اللباس، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله، وكأن الحديث الموقوف أصح، وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: ما أراه محفوظا، روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان بن سلمان مرفوعًا".
وهذه الأدلة من الكتاب
والسنة تفيد القطع بصحة هذه القاعدة. وقد انتقد
ابن نجيم الحنفي نسبة القول إلى أبي حنيفة بأن الأصل في الأشياء الحرمة
.
الدليل الثاني: أن المظاهرات مركبة من أمرين مباحين
المظاهرات ليست إلا عبارة عن اجتماع الناس من أجل مطالبة الإمام بحق مشروع أو الشكوى من ظلم موضوع . والقائلون بمنع المظاهرات إما أن يقولوا بأن مطالبة الإمام بالحقوق ورفع المظالم أمر غير مشروع . وإما أن يقولوا بأن اجتماع الناس وتجمهرهم غير مشروع . أما بالنسبة للمطالبة بالحقوق والمطالبة برفع الظلم فإن دور الإمام هو أداء حق الرعية ورفع الظلم عنها وهذا هو العدل الذي أمر الله به ولاة الأمر . ولا يمكن أن يكون أداء الحق ورفع الظلم واجبا على الإمام وفي الوقت نفسه يحرم على الناس رفع المظالم إليه .. فإذا كان المظلوم يحرم عليه التشكي والتظلم فكيف سيؤدى إليه حقه ؟
أما بالنسبة للاجتماع فهو
غير ممنوع شرعا بل هو عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى، فنحن نجتمع للصلوات الخمس كل
يوم ونجتمع لصلاة الجمعة والعيد والاستسقاء. بل
إن العبادات والقربات منها ما هو على شكل مسيرة مثل صلاة الجنازة وكما يحدث في الحج
من توجه الجموع من الحجاج في وقت واحد إلى عرفات والإفاضة منه والتوجه إلى رمي
الجمرات هذه كلها عبادات نتقرب بها إلى الله تعالى وكل من يشاهد هذه العبادات من
غير المسلمين لا ريب أنه سيعتقد أن أصحابها خارجون في مسيرات أو تظاهرات لأنه لا
فرق بينهما من حيث الشكل . فتجمع الناس وتحركهم
في جموع كبيرة هو في ديننا أمر مشروع ولو كان ممنوعا لما كان قربة نتقرب بها إلى
الله تعالى .
الدليل الثالث: أن المظاهرات وسيلة لمقصد مشروع
النصوص الشرعية دالة على مشروعية دفع الظلم وما كان معينا على ذلك من الوسائل فهو محمود. فينبغي الحرص على رفع الظلم بكل وسيلة لم يرد نص بتحريمها . ولهذا أثنى النبي صلى لله عليه وسلم على حلف الفضول لأن فيه رفعا للظلم وإعانة للمظلومين . فقد روى الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الله، عن محمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً لو دُعيتُ له في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وألاّ يغزوَ ظالمٌ مظلوماً"، قالوا: وكان حلف الفضول قبل المبعث بعشرين سنة في شهر ذي القعدة، وكان بعد حرب الفجار بأربعة أشهر. فرفع الظلم مقصد من مقاصد الشرع، والمظاهرات مجرد وسيلة لرفع الظلم ودفعه والوسائل لها أحكام المقاصد : كالسفر له حكم ما قصد به . قال ابن سعدي ـ رحمه الله ـ : ( وهذه القاعدة من أنفع القواعد وأعظمها وأكثرها فوائد، ولعلها يدخل فيها ربع الدين ). وقال ابن القيم: "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تُفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل" [إعلام الموقعين - (3 / 135)]. و الأدلة على هذه القاعدة كثيرة منها : قوله تعالى : ** وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } فلما كان سب آلهة المشركين سببا في سبهم لله عز وجل كان ممنوعا مع أنه مشروع في الأصل .
ولما كان الأصل في هذه المظاهرات هو الإباحة لأنها غير داخلة في العبادات
وإنما هي من باب الوسيلة إلى المشروعات ..كان من المهم الإشارة إلى ما نسجه بعض
المانعين لها من خيوط الشبهات وفاسد المقولات .. وهذا بيانها مع الرد عليها :
الشبهة الأولى :
قولهم : التظاهر بدعة ومخالف لمنهج السلف حيث لم يؤثر أنهم تظاهروا . وهم بهذا الكلام يحاولون تصوير التظاهر ضد هؤلاء الحكام بأنه من أعمال البدع والمحدثات، والرد على هذا الكلام من عدة وجوه :
الوجه الأول :
قد حدثت صورة من التظاهر في زمن الني صلى الله وأدّت مفعولها ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم : عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب - رضي الله عنه - : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال : ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم». أخرجه أبو داود. ومن زعم أن هذا لا دليل فيه على التظاهر فليبين لنا الفرق بينه وبين التظاهر .
الوجه الثاني :
أن مجرد ترك النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف لفعل لا يعني ذلك بالضرورة أنه محرم أو أنه بدعة ما لم يقم على ذلك دليل . لأنه قد يكون مباحا ولا يفعلونه لعدم وجود الباعث على فعله . وقد يكون مباحا ويوجد الباعث على فعله ولا يفعلونه لعجزهم عن فعله أو لأن الظروف لم تتهيأ لفعله . ولهذا كان من تعاريف البدعة أنها : "كل عمل وجد مقتضي فعله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله مع إمكان فعله" . ومثال ذلك عيد المولد فمقتضاه الباعث عليه هو توقير النبي صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكرى ميلاده، وقد كان هذا المقتضى موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، ولم يفعلوه مع إمكان فعله، فدل ذلك على أنه بدعة غير مشروعة . ومن هنا تدخل المصالح المرسلة التي يتجدد مقتضى وجودها بعد أن كان معدوما، وقد عمل الصحابة رضي الله عنهم ببعض المصالح المرسلة التي لم يكن معمولا بها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . قال الشيخ سيدي عبد الله في المراقي في معرض الحديث عن المصالح المرسلة:
ولو قلنا
بحرمة كل ما لم يحدث في عصر الصحابة والتابعين لاقتضى ذلك منا تحريم الكثير من
الأمور المشروعة التي لم تحدث في عصرهم. مثال ذلك
: وضع الفاصل بين الرجال والنساء في المساجد وفي الدروس فلا شك في مشروعية هذا
الأمر لما يحققه من دفع الفتنة وذلك مقصد من مقاصد الشرع ،ومع ذلك فإن هذا الفاصل
لم يحدث في زمن الصحابة والتابعين فهل يقال بانه بدعة ؟! ومثال ذلك أيضا : الهيئات الدينية والمجامع الفقهية التي تصدر الفتاوى
الجماعية فمثل هذه الهيئات لم يكن موجودا زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعمل
بها السلف . ومن الأدلة على مشروعية العمل بكل ما
قام مقتضاه وإن لم يعمل به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري عن عبد
الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت
: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث
النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل. قلت لعمرة أومنعن قالت
نعم. قال الحافظ ابن حجر :
(تشير عائشةُ - رضي الله عنها - إلى أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - كان يرخص في بعض ما يرخص فيه حيث لم يكن في زمنه فسادٌ، ثم يطرأ الفساد
ويحدث بعده، فلو أدرك ما حدث بعده لما استمر على الرخصه، بل نهى عنه ؛ فإنه إنما
يأمرُ بالصلاح، وينهى عن الفساد وشبيهٌ بهذا : ما كان في عهد النبي - صلى الله عليه
وسلم - وعهد أبي بكرٍ وعمر من خروج الإماء إلى الأسواق بغير خمارٍ حتى كان عمر يضرب
الأمة إذا رآها منتقبةً أو مستترةً، وذلك لغلبة السلامه في ذلك الزمان، ثم زال ذلك
وظهر الفساد وانتشر، فلا يرخص حينئذٍ فيما كانوا يرخصون فيه . ) [فتح الباري ـ لابن
رجب - (5 / 308)]. ثم نقل ابن حجر عن الإمام أحمد
قوله : أكره خروجهن في الزمان ؛ لأنهن فتنتةٌ .
الوجه الثالث :
أنه في مجال البدعة ومخالفة السلف ينبغي التفريق بين أمرين : البدعة في مجال الأمور التعبدية والبدعة في مجال الأمور الدنيوية .. فالأمور التعبدية مبنية على التوقف فلا يجوز العمل بشيء حتى يثبت له دليل . والأمور الدنيوية او العادية مبنية على الإباحة فلا تمنع حتى يرد الدليل على المنع . وقد عرف الشاطبي البدعة بأنها : "طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الطريقة الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية"." [الاعتصام" (1/51)]. ونصت اللجنة الدائمة في السعودية على ضرورة التفريق بين البدعة الدينية والبدعة الدنيوية، حيث جاء في الفتوى رقم 7721 : (الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه . . وبعد: البدعة تنقسم إلى بدعة دينية وبدعة عادية، فالعادية مثل كل ما جد من الصناعات والاختراعات والأصل فيها الجواز إلا ما دل دليل شرعي على منعه . أما البدعة الدينية فهي كل ما أحدث في الدين مضاهاة لتشريع الله كالأذكار الجماعية بصوت واحد وكبدع الموالد وبدع الاحتفال بنصف شهر شعبان والسابع والعشرين من رجب وبليلة الأربعين من وفاة الميت وقراءة القرآن للأموات على القبور إلى أمثال ذلك مما لا يحصى عدا . .......) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وقال الشيخ الألباني : (ومن الإفراط مثلاً: أن بعض الناس ينكرون -ممن لم يعتادوا- الأكل بالملعقة؛ فهذه ليس لها علاقة بالدين، لماذا تنكر؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكل بالملعقة صحيح، ورسول الله ما ركب السيارة، ولا الطيارة إلخ، فهل يقول الإنسان: إن هذه بدعة؟ البدعة تكون في الدين، أما أن تأكل بالملعقة، أو تركب الطيارة ولا تركب الدابة، وما شابه ذلك، فهذه كلها من أمور الدنيا، وقد تساعدنا أيضاً -كما قلنا- مثل هذه الوسيلة على القيام ببعض الواجبات التي ربما لا نستطيع أن نقوم بها في هذا الزمان بدونها. المهم يجب أن نفرق بين البدعة في الدين، والبدعة في الدنيا ونلخص هذا الموضوع الطويل بالآتي: البدعة تنقسم -أي: الشيء الذي حدث- إلى قسمين: إما أن يكون لها علاقة بالدين، أو يكون لها علاقة بالدنيا.) دروس للشيخ الألباني – البدعة وأسئلة حولها (28 / 8)
الوجه الرابع :
العلماء عندما تحدثوا عن الأدلة الشرعية حصروها في أربعة أشياء : 1-الكتاب 2-السنة 3-الإجماع 4-القياس . ولم يذكروا أن عمل السلف وقولهم يعتبر دليلا مستقلا، بل إنه يعتبر مفسرا للأدلة الشرعية وذلك يقتضي أمرين : الأول : أن نفهم النصوص الشرعية وفق فهمهم ولا نخالفهم في تأويلها . الثاني : ألا نترك ما أجمعوا على وجوبه ولا نفعل ما أجمعوا على حرمته ونبحث عن الراجح في ما اختلفوا فيه . وليس تركهم للشيء دليلا على أنه ممنوع إلا في العبادات لأنها مبنية على التوقيف والأتباع ممنوعة من الإحداث والإبتداع .
الشبهة الثانية :
استدل هؤلاء المانعون للمظاهرات بما رواه مسلم من طريق معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، قال: قال: حذيفة بن اليمان: ( قلت: يا رسول الله، إنا كنا بِشرّ، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: "نعم"، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نعم"، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: "نعم"، قلت: كيف؟ قال: " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع" ). قالوا :وإذا كان الأمير الذي يضرب الظهر ويأخذ المال يجب السمع والطاعة له فمعنى ذلك أنه يحرم التظاهر ضده . والرد على هذه الشبهة من وجوه :
الوجه الأول :
أن لفظة : (تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) لم ترد إلا من طريق مرسل . قال النووي : ( قال الدارقطني: هذا عندي مرسل، لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة وهو كما قال الدارقطني، لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول "أي طريق أبي إدريس الخولاني عن حذيفة" وإنما أتي بهذا متابعة كما ترى.) [شرح مسلم للنووي : 12/237 – 238 ]. ورواية أبي إدريس التي أشار إليها النووي أوردها مسلم فقال : (حدثني محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر قال نعم فقلت هل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر فقلت هل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يا رسول الله صفهم لنا قال نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم فقلت فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). وهذه الرواية أصح، وكما هو واضح لم ترد فيها لفظة "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك"
الوجه الثاني :
على فرض صحة هذه اللفظة "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" فهي في حق الإمام الشرعي الذي استجمع شروط الإمامة وثبتت له . لأن الأمير وصف شرعي ولا ينبغي إسقاط أحكام الإمارة إلا على من استجمع شروط الإمارة وكانت إمارته شرعية . ويشهد لذلك لفظ الحديث عند أحمد في مسنده وعبد الرزاق في المصنف : (قال ثم تنشأ دعاة الضلالة فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه وإلا فمت وأنت عاض على جذع شجرة). قال ابن حجر : (زاد في رواية أبي الأسود تسمع وتطيع وان ضرب ظهرك وأخذ مالك وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني فان رأيت خليفة فالزمه وان ضرب ظهرك فان لم يكن خليفة فالهرب) [فتح الباري - ابن حجر - (13 / 36)]. فالحديث إذن لا ينسحب على زعماء العصابات الذين يحكمون بلاد الإسلام اليوم ويوالون أعداء الله ويعطلون شريعة الله . فالتخلص من هذا النوع من الحكام عبادة، وطاعتهم إثم ومعصية وتعاون معهم على الإثم والعدوان .
الوجه الثالث :
على فرض صحة هذا اللفظ : "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " فالمقصود منه النهي عن الخروج بالسلاح على الإمام الشرعي بسبب ظلمه وجوره . وقد دلت النصوص على أنّ السّلطان قد يكون جائراً في بعض الأمور والأحيان ومن ذلك الحديث المرفوع: ((وإنّما الإمام جنّة يتّقى بها ويقاتل من ورائه، فإن عدل كان له بذلك أجراً، وإن جار كان عليه بذلك وزر)) رواه البخاري . فليس معنى الحديث وجوب طاعتة الإمام في كل شيء وحرمة الاعتراض عليه بصفة مطلقة .. فمن المعلوم أنه لا طاعة له في المعصية ويشهد لذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ). وليس معناه أيضا النهي عن مطالبة الأمير بأداء الحقوق ورفع المظالم فهذا حق ثابت للرعية ومن الأدلة على ذلك : 1- عن أبي فراس [ الربيع بن زياد] قال : خطبنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال في خطبته : «إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي، أقصه منه»، فقال عمرو بن العاص : «لو أن رجلا أدب بعض رعيته، أتقصه منه ؟» قال : «إي والذي نفسي بيده، إلا أقصه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقص من نفسه».أخرجه أبو داود . 2- عن أسيد بن حضير قال : (بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود فقال أصبرني (أي أقدني) فقال اصطبر (أي اقتص) قال إن عليك قميصا وليس علي قميص فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه قال إنما أردت هذا يا رسول الله) رواه أبو داود . فتمكين النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي الجليل أن يقتص منه دليل على مشروعية مطالبة الإمام بأداء الحقوق التي عليه . 3- روى البخاري عن جابر بن سمرة قال : (شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي الله عنه فعزله واستعمل عليهم عمارا فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي فأرسل إليه فقال يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي قال أبو إسحاق أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين قال ذاك الظن بك يا أبا إسحاق فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ويثنون معروفا حتى دخل مسجدا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية قال سعد أما والله لأدعون بثلاث اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه بالفتن. وكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد . قال عبد الملك فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن ). وروي أن أهل الكوفة لما قدموا يشكون أميرهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عمر : "من يعذرني من أهل الكوفة إن وليتهم التقي ضعفوه وإن وليتهم القوي فجروه " فقال المغيرة بن شعبة: "يا أمير المؤمنين إن التقي الضعيف له تقواه وعليك ضعفه وإن القوي الفاجر لك قوته وعليه فجوره، قال: "صدقت، أنت القوي الفاجر فاخرج إليهم". ومحل الشاهد أن الناس كانوا يشكون أمراءهم ولا يعتبر ذلك خروجا ولا مروقا من الطاعة . 4- عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «المسائل كدوح يكدح بها لرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء تركه، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا» أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي. وإنما شرع سؤال السلطان لأنه مطالبة بحق لا مجرد سؤال . 5- روى مسلم في صحيحه عن موسى بن علي عن أبيه قال : (قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "تقوم الساعة والروم أكثر الناس"، فقال له عمرو أبصر ما تقول قال أقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك) . فثناء هذا الصحابي الجليل على هؤلاء الروم لامتناعهم من ظلم الملوك دليل على أن ذلك ليس مخالفا للسمع والطاعة المأمور به، والامتناع من الظلم أمر محمود على كل حال كما قال تعالى : {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} وهذا أمر عام لا مخصص له .
وأيضا ليس معنى رواية
"تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " ترك الإنكار على الحاكم
. ومن الأدلة على ذلك :
1- روى مسلم عن عبد الله بن مسعود
: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من
نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون
بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن
جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس
وراء ذلك من الإيمان حبة خردل). 2- عن قيس بن أبي
حازم عن أبي بكر الصديق أنه قال : أيها الناس
إنكم تقرءون هذه الآية :** يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا
اهتديتم }وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا الظالم
فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه ابو داود والترمذي
. 3- قال ابن رجب الحنبلي :
(وقد روي عن الإمام أحمد أنه قيل له : أن عبد الوهاب الوارق
ينكر كذا وكذا، فقال : لا نزال بخير ما دام فينا من ينكر . ومن هذا الباب قول عمر
لمن قال له اتق الله يا أمير المؤمنين فقال : " لا خير فيكم إن لم تقولها لنا، ولا
خير فينا إذا لم نقبلها منكم " . وردت عليه امرأة قولته فرجع إليها وقال : " رجل
أخطأ وامرأة أصابت " .) [الحكم الجديرة بالإذاعة - (1 / 17)].
الشبهة الثالثة
قال المانعون للمظاهرات : التظاهر يعتبر خروجا على الحكام وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج عليهم . والرد على هذا الكلام من عدة وجوه :
الوجه الأول :
أن الخروج على الحاكم له في الشرع صورة واحدة وهي حمل السلاح عليه وقتاله من أجل إسقاطه وانتزاع الحكم منه . أما الضغط على الحاكم بطريقة سلمية كالمظاهرات من أجل التخلي عن الحكم فلا يعتبر خروجا على الحاكم بل هو مطالبة بالتنحي وهذه المطالبة مشروعة إذا كان لها أسباب وموجبات، ومن حق الأمة عزل الحاكم إذا ظهر فيه انعدام الأهلية . ثم إن المظاهرات غير محصورة في المطالبة بإسقاط النظام بل قد تكون من أجل ما دون ذلك من قضايا مثل تحسين المعيشة أو الإفراج عن السجناء المظلومين ونحو ذلك . وفي هذه الحالة فلا معنى لاعتبار المظاهرات خروجا على الحاكم .
الوجه الثاني :
أن هؤلاء الحكام لا يعتبرون من الناحية الشرعية أئمة حتى يكون الخروج عليهم ممنوعا. وليس كل رئيس عصابة يسيطر على الشعب بقوة السلاح يسمى ولي أمر، فالإمامة لها شروط وواجبات .. وقد أشار النووي في الروضة إلى شروط الإمامة فقال : (أن يكون الإمام: مكلّفاً، مسلماً عدلاً حرّاً ذكراً، عالماً مجتهداً، شجاعاً ذا رأي وكفاية، سميعاً بصيراً، ناطقاً قرشيّاً) [روضة الطالبين: 10/42]. وقال القاضي عيّاض: (لا تنعقد الإمامة لفاسق ابتداءً) وإذا اعترض البعض بأن العلماء ذكروا بأن الإمامة تنعقد للمتغلب ..فالجواب أنهم ذهبوا إلى هذا القول تحقيقا لمصلحة الوفاق ودفعا لمفسدة الشقاق .. أي أن المتغلب يستمد شرعيته من كون المصلحة في بقائه في الحكم . ولا تتحقق هذه المصلحة إلا إذا كان المتغلب قائما بواجبات الإمامة والضروريات من حقوق الرعية . أما أن يكون الحاكم متغلبا وفي الوقت نفسه عاجزا أو ممتنعا من أداء حقوق الرعية فمعنى ذلك أنه لا مصلحة في بقائه في الحكم وبالتالي لا شرعية له لأنه إذا زال السبب زال المسبب . ولهذا قال ابن الوزير : (فإنّه روى عن الفقهاء أنّهم اشترطوا في طاعة المتغلّب إقامة الجمعات والأعياد، والجهاد، وإنصاف المظلوم غالباً ) [الروض الباسم لابن الوزير - (1 / 53)].
الوجه الثالث :
أن منع الخروج على الحاكم ليس مطلقا بل يكون ممنوعا إذا كان الإمام عدلا مستكملا لشروط الإمامة . ويكون مشروعا إذا كان الإمام مرتكبا لسبب من الأسباب المبيحة للخروج عليه .. وقد بينت بعض هذه الاسباب في رسالة "الانتصار للسجناء الابرار في فتنة الحار" وأنقله هنا لتمام الفائدة : ( إن النصوص الشرعية قيدت وجوب السمع والطاعة للإمام بتطبيق شرع الله . ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : (إن أمر عليكم عبد أسود مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا) فقيد وجوب طاعته بكونه يقود بكتاب الله . وهذا القيد المذكور ورد في روايات: مسلم وأحمد وأبي عوانة والنسائي وابن حبان والطبراني في المعجم الأوسط . والروايات التي لم يرد فيها هذا القيد يتعين حملها على هذه المقيدة لما علم من وجوب حمل المطلق على المقيد . ومن ذلك تقييده صلى الله عليه وسلم لحرمة الخروج على أئمة قريش باستمرارهم على إقامة الدين : فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن معاوية : قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين . وإذا كانت حرمة الخروج مشروطة بإقامة الدين بالنسبة لأئمة قريش الذين هم أشرف الأئمة فمن دونهم أولى . ومن ذلك أيضا تقييده صلى الله عليه وسلم لحرمة الخروج على الأئمة بإقامة الصلاة : فقد روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة . فدلت هذه الروايات كلها على ثلاث قيود لحرمة الخروج على الإمام هي : - كونه يقود الناس بكتاب الله (أي يحكم بكتاب الله). - كونه مقيما للدين . - كونه مقيما للصلاة . والقيد الرابع كونه لم يخرج من دائرة الإسلام وقد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه البخاري وغيره عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ). واعلم أن هذه الشروط الأربع لمنع الخروج على الإمام هي من قبيل الشرط على البدل الذي يعني أنه يكفي وجود أحد الشروط لتحقق المشروط كقولك إن قام زيد أو خرج فأعطه الثوب فإنه يستوجب إعطاء الثوب بأحد الأمرين ولا يشترط توفر الشرطين، وإلى هذا أشار في " المراقي " بقوله :
وقد نص على هذه
المسالة الجويني في غياث الأمم فقال متحدثا عن الخروج على السلطان :
(فأما إذا تواصل منه العصيان وفشا منه العدوان
وظهر الفساد وزال السداد وتعطلت الحقوق والحدود وارتفعت الصيانة ووضحت الخيانة
واستجرأ الظلمة ولم يجد المظلوم منتصفا ممن ظلمه وتداعى الخلل والخطل إلى عظائم
الأمور وتعطل الثغور فلا بد من استدراك هذا الأمر المتفاقم على ما سنقرر القول فيه
على الفاهم إن شاء الله عز وجل وذلك أن الإمامة إنما تعني لنقيض هذه الحالة فإذا
أفضى الأمر إلى خلاف ما تقتضيه الزعامة والإيالة فيجب استدراكه لا محالة وترك الناس
سدى ملتطمين مقتحمين لا جامع لهم على الحق والباطل أجدى عليهم من تقريرهم اتباع من
هو عون الظالمين وملاذ الغاشين وموئل الهاجمين ومعتصم المارقين الناجمين) [غياث
الأمم - (1 / 80)]. وقال ابن الوزير :
(منع الخروج على الظّلمة استثنى من ذلك من فحش
ظلمه، وعظمت المفسدة بولايته، مثل: يزيد بن معاوية، والحجّاج بن يوسف ) [الروض
الباسم لابن الوزير - (1 / 51)]. وقال أيضا
: (ولا حرّموا الخروج عليه إلا إذا غلب على
الظّنّ أنّ المفسدة في الخروج عليه أعظم من مفسدة ولايته، وقد أجمع العقلاء، وأطبق
أهل الرّأي على وجوب احتمال المضرّة الخفيفة متى كانت دافعة لما هو أعظم منها،
ولذلك وجب قطع العضو المتآكل متى غلب على الظّنّ أنّه إن لم يقطع سرى إلى الجسد،
وكان سبب الهلاك) [الروض الباسم لابن الوزير - (1/71)]. وقد أشار إلى هذه العلة ايضا ابن حزم فقال : (ويقال لهم ما تقولون في سلطان جعل اليهود أصحاب أمره والنصارى جنده وألزم
المسلمين الجزية وحمل السيف على أطفال المسلمين وأباح المسلمات للزنا وحمل السيف
على كل من وجد من المسلمين وملك نساءهم وأطفالهم وأعلن العبث بهم وهو في كل ذلك مقر
بالإسلام معلن به لا يدع الصلاة ؟ فإن قالوا : لا
يجوز القيام عليه، قيل لهم أنه لا يدع مسلما إلا قتله جملة وهذا إن ترك أوجب ضرورة
أن لا يبقى إلا هو وحده وأهل الكفر معه ! فإن
أجازوا الصبر على هذا خالفوا الاسلام جملة وانسلخوا منه وإن قالوا بل يقام عليه
ويقاتل وهو قولهم قلنا لهم فان قتل تسعة أعشار المسلمين أو جميعهم إلا واحد منهم
وسبى من نسائهم كذلك وأخذ من أموالهم كذلك فان منعوا من القيام عليه تناقضوا وان
أوجبوه سألناهم عن أقل من ذلك ولا نزال نحطهم إلى أن نقف بهم على قتل مسلم واحدا أو
على امرأة واحدة أو على أخذ مال أو على انتهاك بشرة بظلم فان فرقوا بين شيء من ذلك
تناقضوا وتحكموا بلا دليل وهذا مالا يجوز وان أوجبوا إنكار كل ذلك رجعوا إلى الحق)
اهـ [الفصل في الملل والأهواء والنحل - (4 / 135)]. وهذه الاحتمالات التي ذكر ابن حزم تبين أن القول بإطلاق منع الخروج على أهل
الجور قد يكون ذريعة لتحمل المفاسد العظيمة التي ما شرع الصبر على جور الأئمة إلا
لتفاديها . إذا تقرر هذا فإن الحكام في زماننا
ارتكبوا كل الأسباب المبيحة للخروج على الحاكم .
الوجه الرابع :
نحن ننطلق من مبدأ أن هؤلاء الحكام كفرة مرتدون لعلتين :
الأولى : تبديلهم لشرع الله وامتناعهم عن تطبيق الشريعة وقد انعقد إجماع أهل العلم على مشروعية قتال الممتنعين عن الشريعة.
الثانية: موالاتهم لأعداء الله . وردة هؤلاء الحكام تبيح الخروج عليهم بإجماع المسلمين . لما روى البخاري عن جنادة بن أبي أمية قال : ( دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان). قال ابن حجر رحمه الله عن الحاكم: ( وملخّصه أنه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كل مسلم القيام بذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض). وإذا كان الخروج عليهم بالسلاح والقتال مشروعا، فلا شك في مشروعية إسقاطهم بما دون ذلك من وسائل . فمشروعية القتال دالة من باب أحرى على مشروعية التظاهر .
الشبهة
الرابعة
قام البعض ممن يحاول جاهدا تصوير المظاهرات على أنها من الأفعال المحرمة بجمع بعض الأمور التي اعتبرها مفاسد للمظاهرات فذكر منها : 1- أن القول بمشروعية المظاهرات يفتح الباب أمام أهل الباطل وأهل البدع لكي يطالبوا بما يريدون . 2- أنها تضييع الأوقات والأموال 3- أنها سبب لبعض المخالفات الشرعية مثل الاختلاط وترك الصلاة 4-أن فيها إثارة الفوضى في الشارع والعبث بالممتلكات 5- أن فيها تعطيل الانتاج ومصالح البلاد بسبب الإضراب عن العمل 6- أنها سبب لزعزعة أمن البلاد نتيجة لهذا التصارع والفوضى 7- أنها سبب لتعطيل مصالح الناس بإغلاق المحلات وتعطيل السير 8- أن المظاهرات سبب للشر والفتنة والتعدي على الآخرين ويندس فيها مثيروا الشغب 9- أنها ترك للسنة وإحياء للبدعة لأن الناس ينشغلون بها ويتركون الوسائل الشرعية . وجوابا على هذا الأمر نقول :
أولا :
ينبغي للقائلين بتحريم المظاهرات أن يحددوا أولا طبيعة حرمتها : هل هي محرمة بذاتها بغض النظر عما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد ؟ أم أن حرمتها ليست إلا بسبب ما يترتب عليها من مفاسد؟ فإذا كانت محرمة لذاتها فينبغي أن يبينوا لنا الأدلة الدالة على ذلك . وإذا كانت محرمة لما يترتب عليها من مفاسد فليعترفوا بإباحتها في الأصل ..وليقروا بإباحة كل مظاهرة تخلوا من تلك المفاسد . أما هذا الخلط بين حرمة الذات وحرمة الوصف فهو تدليس من أجل التلبيس.
ثانيا :
هذه المفاسد التي ذكروا على فرض وجودها فإنها ليست ملازمة للمظاهرات بل قد تحدث بصفة عارضة .. والأمور إنما يحكم عليها بالأوصاف اللازمة لا بالأوصاف العارضة .
ثالثا :
أن هذه المفاسد التي قالوا بأنها تقتضي حرمة المظاهرات قد تكون كذلك لو أن الهدف من المظاهرات هو المطالبة بتوفير "علب الشوكلاطه" وتوسيع "ساحات المنتزهات" .. أما وأن الأمر يتعلق بقضايا الامة الخطيرة الديني منها والدنيوي مثل موالاة الكفار والإعانة على قتل المسلمين .. ومثل إدخال المشركين في جزيرة العرب وإعانتهم على احتلال بلاد المسلمين .. ومثل ظلم عباد الله وتجويعهم وسومهم سوء العذاب وتمكين الكفار من ثروات المسلمين و تعطيل حكم الله .. فإن هذه المفاسد الكلية المحققة الخطيرة على الدين والدنيا التي يتحرك المتظاهرون اليوم من أجل رفعها لا يمكن أن تقارن بهذه المفاسد المظنونة الصغيرة التي ذكر المانعون .
الشبهة الخامسة
:
كتب أحد الإخوة مقالا بعنوان: "حتى لا تغرق السفينة .. نصائح للمتظاهرين والمعتصمين من الموحدين" .. حذر فيه من الانخراط في المظاهرات وأورد بعض الشبهات وكان كلامه انطلاقاً من التحذير من ترك الجهاد أو الإنـخراط في الديمقراطية . وهذا رد على ما جاء في كلامه من شبهات :
الشبهة الأولى : لا يجوز التغيير إلا بالسيف
قال الكاتب : (فالدين لا يقوم إلا بالسيف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِبُرْهَانٌ» رواه البخاري، وذلك حين سأله أصحابه أفلا ننابذهم بالسلاح،ويفهم من هذا الحديث أن الطريق للتغيير هو الجهاد، فإن عدمت القدرة علىالجهاد وجب الإعداد لها ولا يجوز العدول إلى أسلوب آخر إلا بدليل). الرد عليها : من حيث المبدأ فهذا كلام صحيح .. فمنهج القتال ومنهج مدافعة الباطل هو الذي ينشر الله به الحق ويدفع به الباطل .. لكن التزام هذا المنهج لا يقتضي منع الوسائل الأخف منه إذا كانت مؤدية للغرض في حالة معينة .. فنحن مطالبون بالتزام هذا المنهج بشكل عام ولا يجوز أن نحيد عنه إلى أي منهج آخر. لكن بالنسبة للحالات والوقائع الجزئية فنحن مطالبون بسلوك الأسلوب الأقل كلفة والأخف ثمنا تحقيقا لأعظم المفسدتين وتجنبا لأعظم الضررين .. القتال ليس مقصوداً لذاته، دل على ذلك قوله تعالى : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وقوله صلى الله عليه وسلم : (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ). فمقصود القتال هو تحقيق هذه المقاصد الشرعية فإذا أمكن تحقيقها بالوسائل السلمية فلا حرج في استخدامها ما لم تكن ممنوعة في نفسها . بل إن النصوص الشرعية لم تبح قتل الكافر والمرتد إلا بعد طرق الوسائل السلمية المتمثلة في دعوة الكافر إلى الدخول في الإسلام أو دفع الجزية واستتابة المرتد ثلاثة أيام . فالقتال إذن ليس غاية وإنما هو وسيلة . والهدف والغاية هو الذي لا ينبغي العدول عنه بأي حال ..لأنه مقصود لذاته . أما بالنسبة للوسائل فينبغي استخدم الوسيلة الأنجع في الوصول إلى المقصد وإذا تعددت الوسائل فينبغي تقديم الوسيلة الأقل كلفة. ولهذا فإن المجاهدين مع وجوب الجهاد عليهم يؤمرون بالكف عن القتال في بعض الحالات الجزئية كما قال تعالى : {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} ومن ذلك ما حدث من صلح الحديبية مع أنه يعتبر فتحاً للمسلمين . ومشروعية الهدنة مع الكفار دليل على مشروعية ترك القتال في بعض الأحيان .. واستخدام الوسائل السلمية ليست إلا صورة من صور ترك القتال . وفي بعض الأحيان يكون ترك القتال خيراً للمسلمين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا) وقال تعالى : {وكفى الله المؤمنين القتال}. ولو كان القتال واجباً على المجاهد في كل حال لما جاز له الفرار تحيزا .. فلما جاز الفرار تحيزا-والفرار نقيض القتال- جاز من باب أولى استخدام أي وسيلة غير القتال في لحظة من اللحظات لتحقيق الغرض ما دام استخدامها لا يعني التخلي عن منهج الجهاد . الذي ندين الله به أن هؤلاء الحكام كفار مرتدون وأن قتالهم واجب بالكتاب والسنة ولكن مشروعية قتالهم لا تقتضي عدم مشروعية مدافعتهم بما هو أخف من ذلك من الوسائل السلمية .. فمشروعية الوسيلة الأثقل تقتضي مشروعية الوسيلة الأخف من باب أحرى والعكس غير صحيح . مثال ذلك لو أنا تمكنا من إزاحة هذه الأنظمة عن طريق استمالة أتباعها والمقربين منها بالمال حتى ينقلبوا عليها لما كان في ذلك حرج شرعي أو مناقضة لمنهج القتال .
الشبهة الثانية : حرمة المظاهرات لأنها من إفرازات الديمقراطية
قال الكاتب : (ولادليل نعلمه يجيز الذي تفعله بعض الجماعات الإسلامية لاستئناف الحياة الإسلامية من الدخول في اللعبة الديمقراطية سواء عن طريق البرلمانات أوالمظاهرات والاعتصامات أو الإضرابات أو غيرها من إنتانات الديمقراطية) . وقال : (فالدين لن يقوم عن طريق الديمقراطيةوإفرازاتها كالبرلمانات والاعتصامات والمظاهرات، ومن حسنت بدايته حسنتنهايته). الرد عليها :
أولا :
المظاهرات هي اجتماع الناس من أجل المطالبة بحقوقها وهذه ليست من إفراز الديمقراطية فقط بل هي قضية تتكرر في كل زمان ومكان بمختلف الأشكال والألوان . وكلام الكاتب فيه تسوية بين الشرك الممنوع والتظاهر المشروع، فالدخول في الديمقراطية يعني بصفة عملية الاحتكام إلى الشعب، أما المظاهرات فلا تعني أكثر من الاجتماع من أجل مطالبة السلطة بأداء حق الرعية كما قلنا . والنصوص الشرعية دالة على مشروعية هذه المطالبة وليس هناك وسيلة محددة لها يتعين اتخاذها دون غيرها فالعرف والواقع هو الذي يحدد ذلك .
ثانيا :
ليس صحيحاً أن التظاهرات والاعتصامات جزء من النظام الديمقراطي، فهذا النظام يتمثل في مجموعة من الإجراءات منها : التعددية الحزبية، والتداول على السلطة، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والاحتكام للدستور العلماني الذي يعلن أن الشعب هو مصدر السلطة، ويجعل الحكم للأغلبية، ويعطي للبرلمانيين حق التشريع . وكون هذه الدساتير الديمقراطية تنص على السماح بحرية التظاهر فلا يعني ذلك أن المظاهرات جزء من النظام الديمقراطي، فهذه الدساتير تنص على أشياء أخرى كثيرة مثل حرية التعبير وحرية التملك ومع ذلك فهذه أمور مباحة في الأصل ولو لم توجد الديمقراطية .
ثالثا :
إذا قبلنا-جدلاً- أن المظاهرات جزء من النظام الديمقراطي فهذا لا يعني بالضرورة عدم مشروعيتها، إذ لا ينبغي أن نحرِّم من هذه الديمقراطية إلا ما كان مشتملا على وصف محظور.
الشبهة الثالثة : المظاهرات ذريعة لترسيخ المنهج الديمقراطي في نفوس الناس
قال الكاتب : (ومن هذه المناهج التي أفرزتها الديمقراطية مناهج التغيير،كالمظاهرات والاعتصامات وما يسمى بالعصيان المدني، وهذه الأوضاع كلها ولدتمن رحم الكفر والديمقراطية، فالمنكر في نظرها ما أنكرته الديمقراطية أي ماخالفها، والمعروف هو ما أقره الكفر أي الديمقراطية، فإن تحكيم القرآن فينظر الديمقراطية منكر وجريمة لا تغتفر، إذاً فالمظاهرات ترسخ فكرةالديمقراطية وتدعمها، كما قالت (هيلاري كلينتون) : " إن ما يحصل في الدولالعربية من التغيير عن طريق المظاهرات والاعتصامات يخدمنا في محاربةالقاعدة وذلك بما ترسخه هذه الاعتصامات والمظاهرات في عقول الناس إنهاسبيل ناجع للتغيير بدل العنف "، نعم؛ صدقت وهي كذوبة، إن هذه المناهجوضعت أساسا لتكون بديلا عن العنف أو ما يسمى في دين الإسلام بالجهادوالتغيير باليد وهما لضرب المشروع الجهادي وتغيير مسار الحركات والجماعاتالجهادية، فتأمل ما قلته لك، ولا تتردد بالكفر بالديمقراطية وإفرازاتها) وقال : (إن الشرع إذا حرم الشيء حرم ما يفضي عليه وسد أمامه الأبوابوالطرق، وهذا الذي أقوله ليس ضربا من الخيال بل هو الفقه كل الفقه، وهوالمسمى بفقه سد باب الذريعة ...فكذلك لا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر في معصية الله، وبيانذلك أن الشريعة أباحت للمؤمنين أن يقوموا بإنكار المنكر فرادى أو جماعاتبأي طريقة يزول بها المنكر، فلو احتشدوا في مكان حتى يزول المنكر فيمايشبه الاعتصام لجاز شرعا، ولو خرجوا مخوفين ومهددين لأصحاب المنكر فيمايشبه المظاهرات لجاز أيضا، لكن لما ترسخ في أذهان الناس أن هذه هي منممارسات الديمقراطية وأنها من أصول دينها في التغيير وأن ممارسيها يوصفونبالديمقراطيين، حَرُمَ أن ينكر المنكر بهذه الطريقة للذريعة المفضية إلىالشرك، خصوصا وأن أعظم شرك في هذا الزمان هو شرك الديمقراطية، ودعوةالتوحيد قائمة على منابذته، فلا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نلبس علىالناس أمر دينهم بهذه الممارسات، لأن الصورة في ظاهرها تبدوا للناساعتصاما ومظاهرة وترسيخا للديمقراطية وإضفاء للصبغة الشرعية عليها، والمرءقد يكون فتنة لغيره وهو لا يدري، لا سيما إذا كان محسوبا من أهل العلموالدعوة أو كان من المجاهدين، ففي الوقت الذي يكون يبلغ فيه دعوة الله بينأنصاره أو ممن يسمعونه وقد يكونون بالمئات أو الألوف يكون في نفس الوقتيضل الملايين ممن يشاهدونه على شاشات الإعلام فصوته يصل إلى أنصارهوأفعاله تصل إلى الناس على شكل دعوة لممارسة الديمقراطية والاحتجاج السلمي . وهذا أمر متحقق، لمشابهتهه في الهدي الظاهر للديمقراطيين بغض النظر إلىالذي يدعوا إليه المتظاهرون،) وقال : (وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وَفَهِمَ عن الرسول صلىالله عليه وسلم مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن الأمر بالمعروف والنهيعن المنكر على صورة الاعتصامات والمظاهرات إنما هو ذريعة إلى ترسيخ مناهجالديمقراطية وفتوى عملية من قبل الموحدين بجوازها،) الرد عليها : وأما زعم الكاتب بأن المظاهرات تؤدي إلى ترسيخ الديمقراطية فهذا يعني أنه لم يعد يتحدث عن حرمتها لذاتها وإنما لما يترتب عليها من مفسدة وعندئذ فلا بد من الموازنة بين المصلحة والمفسدة فنحن نرى بأن مساعدة هذه المظاهرات في إزاحة هذه الأنظمة مصلحة محققة أما ترسيخها للديمقراطية فهي مفسدة مظنونة ولا ينبغي إلغاء هذه المصلحة المحققة من أجل تجنب مفسدة مظنونة . ثم إن هذه المفسدة يمكن تجنبها عن طريق دعوة الناس إلى اعتزال الديمقراطية وبيان ما فيها من محذورات شرعية . بل إن هذه المظاهرات قد تكون وسيلة في محاربة الديمقراطية وذلك أن هذه الأنظمة التي تطبق الديمقراطية هي الحاجز الذي يمنعنا من تبليغ الدعوة للناس وتحذيرهم من الديمقراطية، وبسقوط هذا الحاجز يمكن أن نحارب الديمقراطية بكل حرية . وبهذا الاعتبار تكون المظاهرات وسيلة للقضاء على الديمقراطية لا ترسيخا لها .
هذه هي الشبهات الرئيسة
التي ذكر الكاتب . وهذا رد على بعض الفقرات التي
وردت في مقاله . 1- قال الكاتب :
(وليست المسألة كما يظن
البعض: أنها من قبيل إستيراد التكنولوجياوالصناعة، بل هي من إستيراد النظم والمناهج، و شتان ما بين
الإثنين،) أقول
: لقد قلنا بأن اجتماع الناس من أجل
المطالبة بالحقوق مسألة متكررة عبر التاريخ وليست من ابتكار الغرب، إلا أن الغرب هو
الذي أعطاها قيمة قانونية من خلال جعلها حقا من حقوق المواطن واعتبرها دلالة سياسية
مهمة لا يجوز إهمالها . فلا ينبغي اعتبار
المظاهرات أمراً مستوردا لأنها في الأصل أمر مشروع كما أنه
لا تلازم بين المظاهرات والديمقراطية حتى يقال بأن القيام بها يعني استيراد النظام
الديمقراطي . فقد تحدث المظاهرات في بلد غير
ديمقراطي ولن يقال عنها إلا مظاهرات .. وقد تطالب
المظاهرات بإلغاء الديمقراطية ولن يقال عنها إلا مظاهرات .. 2- قال الكاتب : (الأول : أنهم جعلوا المظاهرات والاعتصامات هي عين
الأمر بالمعروف والنهيعن
المنكر على وجه التسليم .
الثاني : أنهم استدلوا على ذلك
بالأمثلة و القصص في غالب أمرهم، وليس فيذلك وجها للاستدلال بل غاية المثال هو لتطبيق الدليل، و الحكم
الشرعي طريقإثباته دلالات
الكتاب والسنة سواء المنطوق أو المفهوم أو العموم
وغيرها،لا سرد القصص عن
الإمام مالك أو الإمام احمد، فالأئمة يستدل لهم ولا
يستدلبهم، وهذه الطريقة
التي استدلوا بها لا تسمى فقها بل الواجب إثبات أنالاعتصامات و المظاهرات هي من دين الله وأن الله
ورسوله أمر بها وأنها منمراتب التغيير في الدين .( أقول :الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر أعم من المظاهرات وهي أخص منه فالمظاهرات داخلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها مطالبة بأداء
الحقوق ورفع الظلم . وهي أيضا داخلة في فيما رواه
الشيخان عن أنس قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} :
(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقال رجلٌ يا رسول الله أنصره إذا
كان مظلوماً أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره قال تحجزه - أو تمنعه - الظلم فإن ذلك
نصره). والمتظلم أبيحت له الغيبة ليتوصل إلى رفع
مظلمته وفي هذا دليل بالأحروية على مشروعية كل ما يعين على استرداد الحقوق مما لم
يحرم . 3- قال الكاتب :
(وليستالمسألة كما يقول البعض أنها من الوسائل المباحة وأن الأصل في
الأشياء الإباحة، مسألتنا ليست طعاماً ولا شراباً بل هي عبادة ومن أعظم
أبوابالعبادة، وهي إقامة
الشرع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأصل فيهاالمنع حتى يرد دليل بالجواز).
أقول : لقد صرح الكاتب بأن المظاهرات
مباحة في الأصل عندما قال : (الشريعة أباحت للمؤمنين أن يقوموا بإنكار المنكر فرادى أو جماعات
بأي طريقة يزول بها المنكر، فلو احتشدوا في مكان حتى يزول المنكر فيما يشبه
الاعتصام لجاز شرعا، ولو خرجوا مخوفين ومهددين لأصحاب المنكر فيما يشبه المظاهرات
لجاز أيضا،) فكيف يزعم أن الأصل فيها
المنع حتى يرد دليل بل جواز ؟ هذا خلل وتناقض في
الطرح !! وقد قلنا بأن الطاعات يدخل فيها كل
المأمورات التي أمر بها الشارع من عبادات ومعاملات فالنفقة على الزوجة داخلة في
الطاعات والقربات، لقوله صلى الله عليه وسلم (حتى ما تجعله في في امرأتك صدقة)
. لكن القربات منها ما هو توقيفي تعبد غير معلل
مثل العبادات والصلاة والصوم والحج. ومنها ما هو
معلل وغير توقيفي مثل المعاملات وأداء الحقوق . وقلنا بأن التظاهر من أجل رفع المظالم من الوسائل المعينة على رفع الظلم
والأمور تبع لمقاصدها . وقد ذكرنا هذه المسألة
بتفصيل اكثر في ما سبق . 4- قال
الكاتب : ( فهؤلاء كما
نعرفهم يكفرونبالديمقراطية وإفرازاتها وهم يعيبون على معتنقيها، حتى أن قسما
منهم كانوايسخرون من
الإخوان المسلمين حينما يتظاهرون، لكن لما رأوا ما فعلته
تلكالاعتصامات والمظاهرات
ببعض الأنظمة انبهر وأعمته النتيجة عن معرفة الحقولم يستطع أن يشخص الظاهرة وأن يقرأها قراءة جيدة
فَأُشْرِب قلبه حب هذهالاعتصامات والمظاهرات، فأخذ يبحث عن شرعنة المسمى أو شرعنة
الموضوع). أقول : كنا نعيب تلك المظاهرات لانها مجرد وسيلة للتعبير ولا تهدف إلى
التغيير ولم يكن فيها أي ضرر على الأنظمة أو تهديد لوجودها بل كانت مجرد امتصاص
لغضب البسطاء الذين يظنون بأنهم يصنعون نصرا كبيرا عندما يوصلون كلمتهم إلى السلطة
!! أما المظاهرات اليوم فهي لا ترضى بغير التغيير
ولا ترضى بغير زوال الأنظمة وهذه هي المظاهرات التي نؤيدها وندعو لها
. 5- قال الكاتب
: (فقد قام هؤلاء بتغيير
المصطلحاتالشرعية التي نص
الشرع على تسميتها وغيروها إلى مصطلحات محرمة أفرزتهاالأنظمة الكافرة، ظنا منهم أنهما سيان، فإن الشرع حرم
تغيير المصطلحاتالمنصوص
عليها وحرم التلاعب بها، وجعل ذلك بابا للاستحلال ......ولا مشاحة في الاصطلاح إذا
لم يخالف نصا،وهنا قد
خالفت نصا منصوصا عليه في الكتاب و السنة .( نعم لا مشاحة في
الاصطلاح إذا لم يخالف نصا.. لكن : ما هو هذا النص الذي خالفناه هنا
؟ وقوله :(وغيروها إلى مصطلحات محرمة) ما الدليل
على أنها محرمة ؟ 6- قال الكاتب
: (لا يفرق هؤلاء بين
الأمر بالمعروفوالنهي عن
المنكر وبين المظاهرات والاعتصامات، وشتان كما قلنا بين
دينالإسلام ودين
الديمقراطية فمعروفنا غير معروفهم، ومنكرنا غير منكرهم،ومراتب التغيير عندنا غير مراتب التغيير عندهم، وكذلك
شروطنا غير شروطهم،فأين
المساواة بالله عليكم أفي المسمى أم في المضمون، وهذه مفاصل
لايدركها إلا من عصمه
الله بالتوحيد الصرف). أقول : كلام الكاتب
دليل على اختلاف المظاهرات التي ندعو إليها عن المظاهرات التي يدعوا إليها أنصار
الديمقراطية .. والاتفاق الذي يذكر إنما هو اتفاق
في الشكل فقط . فهناك اتفاق في الشكل واختلاف في
الأهداف والمضامين . فإذا كان في المظاهرات التي
ندعو إليها ما يخالف شرع الله فليبينه لنا الكاتب . 7- قال الكاتب : (والإعلام الجاهلي كما نعلم يحشد لهذه المسائل، أي
لتشويه صورة الدعوة،وخصوصا فيما يتعلق بالتنازلات والتراجعات عن المنهج، والعدول بدلا
منه إلىالممارسات
الديمقراطية، كقولهم : وأخيراً انتهت السلفية الجهادية إلى
ماابتدأ منه الإخوان
المسلمون، وغيرها من العبارات التي توحي إلى العامة عنتخلي هذه الدعوة عن طريق الجهاد، فلا بد إذاً أن نحسب
خطواتنا وأن نحسبللإعلام
الجاهلي ألف حساب ولا نترك له ثغرة ينفذ منها لطعن الإسلام
فيخاصرته،) أقول: عندما
يلاحظون أن السلفية الجهادية ما زالت مستمرة في جهادها وأنها ما زالت تكفر
بالديمقراطية والقوانين الوضعية فسوف يظهر للجميع ان هذا مجرد فقاعات إعلامية وقد
ظهر ذلك بالفعل والحمد لله .
ما ينبغي
توضيحه أخيرا هو أن النزاع حول شرعية المظاهرات ليس نزاعا في هذه المسألة فحسب ..
بل هو مرآة لنزاع آخر حول شرعية هذه الأنظمة ومشروعية بقائها ..
فكل من يرى عدم شرعيتها لا يرى بدا من التظاهر ضدها
.. وكل من يصر على شرعيتها ومشروعية بقائها يرى
حرمة المظاهرات قطعا للطريق على من يحاول إزاحتها . ولكن الشيوخ المناصرين لهذه الأنظمة لا يريدون الدخول في أي نقاش حول
مشروعيتها أو إسلامها أو كفرها ..! فهم ينطلقون
من مبدأ أن هؤلاء الحكام يحكمون بما أنزل الله ويوالون أولياء الله ويعادون أعداء
الله وينصرون الإسلام ويجاهدون في سبيل الله ويحملون راية الدين.. وكأنهم يتحدثون
عن حكام يعيشون في زمن الخلافة الراشدة ! وانطلقنا نحن من مبدأ أن هؤلاء الحكام يحكمون بغير ما أنزل الله ويوالون
أعداء الله ويحاربون شرع الله ويعطلون الجهاد بل يحاربون أهله فهم حكام مرتدون
خارجون عن الإسلام جملة وتفصيلا .. لأن هذا هو ما
نراه على أرض الواقع .. نرجو من هؤلاء المحرمين
للمظاهرات أن يقبلوا الدخول في النقاش العلمي حول مسألة تكفير الحكام
. ونتمنى منهم أن بفندوا المزاعم القائلة بأن
هؤلاء الحكام مرتدون لحكمهم بغير ما أنزل الله وموالاتهم أعداء الله
. إذا تمكنوا من إقناعنا بصحة المبدأ الذي
انطلقوا منه فيمكن أن نسلم بصحة النتيجة التي وصلوا إليها ..
وقبل ذلك ..فدون التسليم بما قالوه خرط القتاد .
والحمد لله رب العالمين وصلى
الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

لفضيلة الشيخ : أبي المنذر الشنقيطي -حفظه الله تعالى-
رابط للتحميل:
http://www.tawhed.ws/dl?i=01041101
http://mir.cr/1QU2CEYS
http://mir.cr/IQVJ766C
http://www.mediafire.com/?rvrb06db0b6amsd
وﻻ تنسوا المجاهدين
من دعائكم الصالح
التقريرات
في مشروعية
المظاهرات
للشيخ
أبي
المنذر الشنقيطي
حفظه
الله
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : لم أكن أبدا أظن بأني سأحتاج إلى جمع الأدلة من أجل البرهنة على مشروعية ما لا برهان على عدم مشروعيته ..! عندما بدأت في تقرير حقيقة تدركها حتى ربات الخدور المخبئات أيقنت بالفعل أن توضيح الواضحات من أصعب المهمات ..! لقد راج بين الناس اليوم أقوال وفتاوى تزعم حرمة التظاهر ضد هذه الأنظمة المبدلة لشرع الله والموالية لأعداء الله .. والحقيقة أن هذه الفتاوى التي أراد لها الحكام أن تروج وتنتشر لا تستمد حجيتها من وضوح الدليل وقوة البرهان .. بل تعتمد على التقليد المحض للهيئات الدينية والشيوخ المعروفين دون التحقيق والبحث فيما يقولون، والناس إنما يتقبلون أقوالهم من باب الثقة وإحسان الظن بهم، وذلك باب من أبواب انتشار التأويلات الباطلة والأقوال المنحرفة . قال ابن القيم في بيان أسباب قبول التأويل الفاسد: ( السبب الثالث: أن يَعْزُو المتأوِّلُ تأويلَه إلى جليلِ القَدْر، نبيلِ الذِّكر، مِن العقلاء، أو مِن آل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو مَن حصل له في الأمَّة ثناءٌ جميل ولسانُ صِدق؛ ليُحلِّيه بذلك في قلوب الجُهَّال، فإنَّه من شأن الناسِ تعظيمُ كلامِ مَن يَعظُمُ قدْرُه في نفوسهم، حتى إنَّهم لَيُقدِّمون كلامَه على كلام الله ورسوله، ويقولون: هو أعلمُ بالله منَّا! وبهذا الطريق توصَّل الرافضةُ والباطنيَّةُ والإسماعليَّةُ والنُّصيريَّة إلى تنفيقِ باطلهم وتأويلاتِهم حين أضافوها إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا علموا أنَّ المسلمين متَّفقون على مَحبَّتِهم وتعظيمِهم، فانتمَوا إليهم وأظهروا مِن مَحبَّتِهم وإجلالهم وذِكر مناقبهم ما خُيِّل إلى السَّامع أنَّهم أولياؤهم، ثم نفقوا باطلَهم بنسبتِه إليهم. فلا إله إلاَّ الله! كم مِن زندقَةٍ وإلحادٍ وبدعةٍ قد نفقت في الوجود بسبب ذلك، وهم بُرآءُ منها. وإذا تأمَّلتَ هذا السَّببَ رأيتَه هو الغالب على أكثر النفوس، فليس معهم سوى إحسان الظنِّ بالقائل، بلا بُرهان من الله قادَهم إلى ذلك، وهذا ميراثٌ بالتعصيب من الذين عارضوا دين الرُّسل بما كان عليه الآباء والأسلاف، وهذا شأنُ كلِّ مقلِّدٍ لِمَن يعظمه فيما خالف فيه الحقَّ إلى يوم القيامة ) مختصر الصواعق المرسلة (1/90). ولم يكتف هؤلاء الشيوخ بمنع التظاهر ضد الحكام بل أثنوا عليهم أحسن الثناء وبالغوا في المديح لهم والإطراء وفي الوقت نفسه تغاضوا عن مساوئهم وجرائمهم الشنعاء .. وقد كان أهل العلم قديما لا يذكرون هؤلاء الظلمة بالثناء أو المديح ..وإنما يصرحون بذمهم إذا أمنوا ويلوحون به إذا خافوا .. ولم ينقل عنهم شيء في الثناء تلويحا أو تصريحا .. قال ابن خلكان في ترجمة أبي الحسن عليّ بن محمد الملقّب عماد الدّين، المعروف بالكيا الهرّاسي الشّافعيّ : (وسئل إلكيا عن يزيد بن معاوية فقال: إنّه لم يكن من الصّحابة، لأنّه ولد في أيّام عمر ابن الخطّاب - رضي الله عنه - وأمّا قول السّلف؛ ففيه لأحمد قولان: تلويح وتصريح، ولمالك قولان: تلويح وتصريح، ولأبي حنيفة قولان: تلويح وتصريح، ولنا قول واحد: تصريح دون تلويح. كيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، والمتصيّد بالفهود، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم، ومنه قوله:
أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم
*** وداعي صبابات الهوى يترنّم
خذوا بنصيب من نعيم ولذّة ***
فكلّ وإن طال المدى يتصرّم
أبو المنذر
الشنقيطي
القول على
الله بغير علم ..
الأدلة من الكتاب :
1- قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 33] 2- قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:59] 3- قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]، 4- قال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا} [الأنعام:150].
الأدلة من السنة :
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله" الحديث. وفيه: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري، أتصيب حكم الله فيهم أم لا" . رواه مسلم في صحيحه. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي تعليقا على هذا الحديث : (وفيه النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن نسبة حكم إلى الله، حتى يعلم بأن هذا حكم الله الذي شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأجل هذا كان أهل العلم لا يتجرؤون على القول بالتحريم والتحليل إلا بنص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.) [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - (7 / 348)] وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينسبون الحكم إلى الله تعالى أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان من اجتهادهم وإنما ينسبونه إلى أنفسهم؛ ومن أمثلة ذلك: - عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وكسب البغي وثمن الكلب قال وعسب الفحل قال وقال أبو هريرة هذه من كيسي) مسند أحمد - (13 / 355) - وعن عبد الله بن عتبة قال أتى ابن مسعود في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يفرض لها ولم يدخل بها فسئل عنها شهرا فلم يقل فيها شيئا ثم سألوه فقال أقول فيها برأيي فإن يك خطأ فمني ومن الشيطان وإن يك صوابا فمن الله لها صدقة إحدى نسائها ولها الميراث وعليها العدة فقام رجل من أشجع فقال أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع ابنة واشق) مسند أحمد - (30 / 406) وكان هذا هو دأب السلف رضي الله عنهم فكانوا حريصين على عدم إطلاق وصف التحريم والتحليل إلا فيما دلت عليه الأدلة البينة . قال الأعمش : « ما سمعت إبراهيم يقول قط : حلال ولا حرام ،إنما كان يقول : كانوا يكرهون، وكانوا يستحبون » سنن الدارمي . وقال ابن عبد البر : 1090- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا عبيدة بن حميد، عن عطاء بن السائب، قال: قال الربيع بن خيثم، إياكم أن يقول الرجل لشيء: إن الله حرم هذا أو نهى عنه، فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه. قال: أو يقول: إن الله أحل هذا وأمر به، فيقول: كذبت لم أحله ولم آمر به. - وذكر ابن وهب وعتيق بن يعقوب، أنهما سمعا مالك بن أنس، يقول: لم يكن من أمر الناس ولا مَن مضى من سلفنا ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا ونرى هذا حسنا، ونتقي هذا، ولا نرى هذا، وزاد عتيق بن يعقوب، ولا يقولون: حلال ولا حرام، أما سمعت قول الله، عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] الحلال: ما أحله الله ورسوله، والحرام: ما حرمه الله ورسوله . - قال أبو عمر: معنى قول مالك هذا: إن ما أخذ من العلم رأيا واستحسانا لم نقل فيه حلال ولا حرام، والله أعلم. - وقد روي عن مالك أنه قال في بعض ما كان ينزل فيسأل عنه فيجتهد فيه رأيه: إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين. - ولقد أحسن أبو العتاهية حيث قال: وما كل الظنون تكون حقا ولا كل الصواب على القياس) [جامع بيان العلم وفضله - (2 / 286)]. وقال الشاطبي في الاعتصام : (وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحاً أن يقولوا : هذا حلال وهذا حرام . ويتحامون هذه العبارة خوفاً مما في الآية من قوله : "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب" وحكى مالك عمن تقدمه هذا المعنى . فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها : أكره هذا، ولا أحب هذا، وهذا مكروه .) [الاعتصام للشاطبي - (1 / 353)]. وقال ابن القيم : (ولكن لا يجوز أن يقول لما أداه إليه اجتهاده ولم يظفر فيه بنص عن الله ورسوله إن الله حرم كذا وأوجب كذا وأباح كذا وإن هذا هو حكم الله) [إعلام الموقعين - (1 / 44)]. وفي هذا دليل على مجازفة من أفتى بحرمة المظاهرات بلا أدلة شرعية . ونحن إنما صرحنا بمشروعيتها حملا على الأصل الذي هو الإباحة وسنذكر إن شاء الله الأدلة على صحة هذه القاعدة .
الأدلة على
مشروعية المظاهرات
الدليل الأول: قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة"
المظاهرات لم يرد في الشرع ما يقتضي منعها والأصل فيها الإباحة حتى يرد مانع، وهي باقية على الأصل في المشروعية والإباحة ومن زعم الحرمة فعليه الدليل . فالقاعدة الفقهية تقول : الأصل في الأشياء الإباحة . ومعنى هذه القاعدة : أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا أتى ما يدل على تحريم ذلك الشيء .. وهذا يعم الأعيان والمنافع والمعاملات والأفعال، وكل شيء الأصل فيه الحل . ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا العبادات كما قال الناظم :
والأصل في الأشياء حل وامنعِ
*** عبادة إلا بإذن الشارع
أدلة القاعدة :
ومن الأدلة على صحة هذه القاعدة :
الأدلة من الكتاب :
1- قال تعالى في كتابه : ** وَقَدْ فَصلَّ لكُمْ ما حَرَّم عليْكُم } [ الأنعام : 119 ] . قال شيخ الإسلام: (والتفصيل التبيين، فبين أنه بين المحرمات، فما لم يبين تحريمه فليس بمحرم، وما ليس بمحرم فهو حلال، إذ ليس إلا حلال أو حرام ) [ مجموع الفتاوى ( 21/536 ) ]. 2- قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية: 13] فعمت الآية وأكدت التعميم، : "ما " اسم موصول تفيد العموم، ثم تأكد هذا العموم بقوله تعالى : "جمعيا". قال القرطبي : (استدل من قال إن أصل الأشياء التي ينتفع بها الإباحة بهذه الآية وما كان مثلها حتى يقوم الدليل على الحظر. وعضدوا هذا بأن قالوا: إن المآكل الشهية خلقت مع إمكان ألا تخلق فلم تخلق عبثا، فلا بد لها من منفعة. وتلك المنفعة لا يصح رجوعها إلى الله تعالى لاستغنائه بذاته، فهي راجعة إلينا ) [تفسير القرطبي - (1 / 251)]. 3- قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } قال الشوكاني : ( فإنه سبحانه أنكر على من حرم ذلك، فوجب أن لا تثبت حرمته، وإذا لم تثبت حرمته امتنع ثبوت الحرمة في فرد من أفراده؛ لأن المطلق جزء من المقيد، فلو ثبتت الحرمة في فرد من أفراده، لثبتت الحرمة في زينة الله، وفي الطيبات من الرزق، وإذا انتفت الحرمة بالكلية ثبتت الإباحة.) [إرشاد الفحول - (2 / 284)]. 4- قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا....} الآية .. [الأنعام: 145]، فجعل الله تعالى الأصل الإباحة، والتحريم مستثنى.
الأدلة من السنة :
1- عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن أعظم الناس في المسلمين جرما من سأل عن مسألة لم تحرم، فحرم على المسلمين من أجل مسألته) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام. وجه الدلالة من الحديث أن الشيء لا يكون محرما حتى يرد النص بتحريمه . 2- عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وتلا :** قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما }إلى آخر الآية . رواه أبو داود بإسناد صحيح . 3- عن سلمان الفارسي قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن السمن، والجبن، والفراء، قال: "الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عَفَا عنه" أخرجه الترمذي في كتاب اللباس، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله، وكأن الحديث الموقوف أصح، وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: ما أراه محفوظا، روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان بن سلمان مرفوعًا".
***
الدليل الثاني: أن المظاهرات مركبة من أمرين مباحين
المظاهرات ليست إلا عبارة عن اجتماع الناس من أجل مطالبة الإمام بحق مشروع أو الشكوى من ظلم موضوع . والقائلون بمنع المظاهرات إما أن يقولوا بأن مطالبة الإمام بالحقوق ورفع المظالم أمر غير مشروع . وإما أن يقولوا بأن اجتماع الناس وتجمهرهم غير مشروع . أما بالنسبة للمطالبة بالحقوق والمطالبة برفع الظلم فإن دور الإمام هو أداء حق الرعية ورفع الظلم عنها وهذا هو العدل الذي أمر الله به ولاة الأمر . ولا يمكن أن يكون أداء الحق ورفع الظلم واجبا على الإمام وفي الوقت نفسه يحرم على الناس رفع المظالم إليه .. فإذا كان المظلوم يحرم عليه التشكي والتظلم فكيف سيؤدى إليه حقه ؟
***
الدليل الثالث: أن المظاهرات وسيلة لمقصد مشروع
النصوص الشرعية دالة على مشروعية دفع الظلم وما كان معينا على ذلك من الوسائل فهو محمود. فينبغي الحرص على رفع الظلم بكل وسيلة لم يرد نص بتحريمها . ولهذا أثنى النبي صلى لله عليه وسلم على حلف الفضول لأن فيه رفعا للظلم وإعانة للمظلومين . فقد روى الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الله، عن محمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً لو دُعيتُ له في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وألاّ يغزوَ ظالمٌ مظلوماً"، قالوا: وكان حلف الفضول قبل المبعث بعشرين سنة في شهر ذي القعدة، وكان بعد حرب الفجار بأربعة أشهر. فرفع الظلم مقصد من مقاصد الشرع، والمظاهرات مجرد وسيلة لرفع الظلم ودفعه والوسائل لها أحكام المقاصد : كالسفر له حكم ما قصد به . قال ابن سعدي ـ رحمه الله ـ : ( وهذه القاعدة من أنفع القواعد وأعظمها وأكثرها فوائد، ولعلها يدخل فيها ربع الدين ). وقال ابن القيم: "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تُفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل" [إعلام الموقعين - (3 / 135)]. و الأدلة على هذه القاعدة كثيرة منها : قوله تعالى : ** وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } فلما كان سب آلهة المشركين سببا في سبهم لله عز وجل كان ممنوعا مع أنه مشروع في الأصل .
***
تفنيد
الشبهات حول المظاهرات
الشبهة الأولى :
قولهم : التظاهر بدعة ومخالف لمنهج السلف حيث لم يؤثر أنهم تظاهروا . وهم بهذا الكلام يحاولون تصوير التظاهر ضد هؤلاء الحكام بأنه من أعمال البدع والمحدثات، والرد على هذا الكلام من عدة وجوه :
الوجه الأول :
قد حدثت صورة من التظاهر في زمن الني صلى الله وأدّت مفعولها ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم : عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب - رضي الله عنه - : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال : ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم». أخرجه أبو داود. ومن زعم أن هذا لا دليل فيه على التظاهر فليبين لنا الفرق بينه وبين التظاهر .
الوجه الثاني :
أن مجرد ترك النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف لفعل لا يعني ذلك بالضرورة أنه محرم أو أنه بدعة ما لم يقم على ذلك دليل . لأنه قد يكون مباحا ولا يفعلونه لعدم وجود الباعث على فعله . وقد يكون مباحا ويوجد الباعث على فعله ولا يفعلونه لعجزهم عن فعله أو لأن الظروف لم تتهيأ لفعله . ولهذا كان من تعاريف البدعة أنها : "كل عمل وجد مقتضي فعله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله مع إمكان فعله" . ومثال ذلك عيد المولد فمقتضاه الباعث عليه هو توقير النبي صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكرى ميلاده، وقد كان هذا المقتضى موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، ولم يفعلوه مع إمكان فعله، فدل ذلك على أنه بدعة غير مشروعة . ومن هنا تدخل المصالح المرسلة التي يتجدد مقتضى وجودها بعد أن كان معدوما، وقد عمل الصحابة رضي الله عنهم ببعض المصالح المرسلة التي لم يكن معمولا بها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . قال الشيخ سيدي عبد الله في المراقي في معرض الحديث عن المصالح المرسلة:
نقبله لعمل الصحابة *** كالنقط
للمصحف والكتابة
تولية الصديق للفاروق *** وهدم
جار مسجد للضيق
وعمل السكة تجديد الندا ***
والسجن، تدوين الدواوين بدا
الوجه الثالث :
أنه في مجال البدعة ومخالفة السلف ينبغي التفريق بين أمرين : البدعة في مجال الأمور التعبدية والبدعة في مجال الأمور الدنيوية .. فالأمور التعبدية مبنية على التوقف فلا يجوز العمل بشيء حتى يثبت له دليل . والأمور الدنيوية او العادية مبنية على الإباحة فلا تمنع حتى يرد الدليل على المنع . وقد عرف الشاطبي البدعة بأنها : "طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الطريقة الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية"." [الاعتصام" (1/51)]. ونصت اللجنة الدائمة في السعودية على ضرورة التفريق بين البدعة الدينية والبدعة الدنيوية، حيث جاء في الفتوى رقم 7721 : (الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه . . وبعد: البدعة تنقسم إلى بدعة دينية وبدعة عادية، فالعادية مثل كل ما جد من الصناعات والاختراعات والأصل فيها الجواز إلا ما دل دليل شرعي على منعه . أما البدعة الدينية فهي كل ما أحدث في الدين مضاهاة لتشريع الله كالأذكار الجماعية بصوت واحد وكبدع الموالد وبدع الاحتفال بنصف شهر شعبان والسابع والعشرين من رجب وبليلة الأربعين من وفاة الميت وقراءة القرآن للأموات على القبور إلى أمثال ذلك مما لا يحصى عدا . .......) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وقال الشيخ الألباني : (ومن الإفراط مثلاً: أن بعض الناس ينكرون -ممن لم يعتادوا- الأكل بالملعقة؛ فهذه ليس لها علاقة بالدين، لماذا تنكر؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكل بالملعقة صحيح، ورسول الله ما ركب السيارة، ولا الطيارة إلخ، فهل يقول الإنسان: إن هذه بدعة؟ البدعة تكون في الدين، أما أن تأكل بالملعقة، أو تركب الطيارة ولا تركب الدابة، وما شابه ذلك، فهذه كلها من أمور الدنيا، وقد تساعدنا أيضاً -كما قلنا- مثل هذه الوسيلة على القيام ببعض الواجبات التي ربما لا نستطيع أن نقوم بها في هذا الزمان بدونها. المهم يجب أن نفرق بين البدعة في الدين، والبدعة في الدنيا ونلخص هذا الموضوع الطويل بالآتي: البدعة تنقسم -أي: الشيء الذي حدث- إلى قسمين: إما أن يكون لها علاقة بالدين، أو يكون لها علاقة بالدنيا.) دروس للشيخ الألباني – البدعة وأسئلة حولها (28 / 8)
الوجه الرابع :
العلماء عندما تحدثوا عن الأدلة الشرعية حصروها في أربعة أشياء : 1-الكتاب 2-السنة 3-الإجماع 4-القياس . ولم يذكروا أن عمل السلف وقولهم يعتبر دليلا مستقلا، بل إنه يعتبر مفسرا للأدلة الشرعية وذلك يقتضي أمرين : الأول : أن نفهم النصوص الشرعية وفق فهمهم ولا نخالفهم في تأويلها . الثاني : ألا نترك ما أجمعوا على وجوبه ولا نفعل ما أجمعوا على حرمته ونبحث عن الراجح في ما اختلفوا فيه . وليس تركهم للشيء دليلا على أنه ممنوع إلا في العبادات لأنها مبنية على التوقيف والأتباع ممنوعة من الإحداث والإبتداع .
الشبهة الثانية :
استدل هؤلاء المانعون للمظاهرات بما رواه مسلم من طريق معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، قال: قال: حذيفة بن اليمان: ( قلت: يا رسول الله، إنا كنا بِشرّ، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: "نعم"، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نعم"، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: "نعم"، قلت: كيف؟ قال: " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع" ). قالوا :وإذا كان الأمير الذي يضرب الظهر ويأخذ المال يجب السمع والطاعة له فمعنى ذلك أنه يحرم التظاهر ضده . والرد على هذه الشبهة من وجوه :
الوجه الأول :
أن لفظة : (تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) لم ترد إلا من طريق مرسل . قال النووي : ( قال الدارقطني: هذا عندي مرسل، لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة وهو كما قال الدارقطني، لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول "أي طريق أبي إدريس الخولاني عن حذيفة" وإنما أتي بهذا متابعة كما ترى.) [شرح مسلم للنووي : 12/237 – 238 ]. ورواية أبي إدريس التي أشار إليها النووي أوردها مسلم فقال : (حدثني محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر قال نعم فقلت هل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر فقلت هل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يا رسول الله صفهم لنا قال نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم فقلت فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). وهذه الرواية أصح، وكما هو واضح لم ترد فيها لفظة "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك"
الوجه الثاني :
على فرض صحة هذه اللفظة "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" فهي في حق الإمام الشرعي الذي استجمع شروط الإمامة وثبتت له . لأن الأمير وصف شرعي ولا ينبغي إسقاط أحكام الإمارة إلا على من استجمع شروط الإمارة وكانت إمارته شرعية . ويشهد لذلك لفظ الحديث عند أحمد في مسنده وعبد الرزاق في المصنف : (قال ثم تنشأ دعاة الضلالة فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه وإلا فمت وأنت عاض على جذع شجرة). قال ابن حجر : (زاد في رواية أبي الأسود تسمع وتطيع وان ضرب ظهرك وأخذ مالك وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني فان رأيت خليفة فالزمه وان ضرب ظهرك فان لم يكن خليفة فالهرب) [فتح الباري - ابن حجر - (13 / 36)]. فالحديث إذن لا ينسحب على زعماء العصابات الذين يحكمون بلاد الإسلام اليوم ويوالون أعداء الله ويعطلون شريعة الله . فالتخلص من هذا النوع من الحكام عبادة، وطاعتهم إثم ومعصية وتعاون معهم على الإثم والعدوان .
الوجه الثالث :
على فرض صحة هذا اللفظ : "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " فالمقصود منه النهي عن الخروج بالسلاح على الإمام الشرعي بسبب ظلمه وجوره . وقد دلت النصوص على أنّ السّلطان قد يكون جائراً في بعض الأمور والأحيان ومن ذلك الحديث المرفوع: ((وإنّما الإمام جنّة يتّقى بها ويقاتل من ورائه، فإن عدل كان له بذلك أجراً، وإن جار كان عليه بذلك وزر)) رواه البخاري . فليس معنى الحديث وجوب طاعتة الإمام في كل شيء وحرمة الاعتراض عليه بصفة مطلقة .. فمن المعلوم أنه لا طاعة له في المعصية ويشهد لذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ). وليس معناه أيضا النهي عن مطالبة الأمير بأداء الحقوق ورفع المظالم فهذا حق ثابت للرعية ومن الأدلة على ذلك : 1- عن أبي فراس [ الربيع بن زياد] قال : خطبنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال في خطبته : «إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي، أقصه منه»، فقال عمرو بن العاص : «لو أن رجلا أدب بعض رعيته، أتقصه منه ؟» قال : «إي والذي نفسي بيده، إلا أقصه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقص من نفسه».أخرجه أبو داود . 2- عن أسيد بن حضير قال : (بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود فقال أصبرني (أي أقدني) فقال اصطبر (أي اقتص) قال إن عليك قميصا وليس علي قميص فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه قال إنما أردت هذا يا رسول الله) رواه أبو داود . فتمكين النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي الجليل أن يقتص منه دليل على مشروعية مطالبة الإمام بأداء الحقوق التي عليه . 3- روى البخاري عن جابر بن سمرة قال : (شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي الله عنه فعزله واستعمل عليهم عمارا فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي فأرسل إليه فقال يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي قال أبو إسحاق أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين قال ذاك الظن بك يا أبا إسحاق فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ويثنون معروفا حتى دخل مسجدا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية قال سعد أما والله لأدعون بثلاث اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه بالفتن. وكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد . قال عبد الملك فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن ). وروي أن أهل الكوفة لما قدموا يشكون أميرهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عمر : "من يعذرني من أهل الكوفة إن وليتهم التقي ضعفوه وإن وليتهم القوي فجروه " فقال المغيرة بن شعبة: "يا أمير المؤمنين إن التقي الضعيف له تقواه وعليك ضعفه وإن القوي الفاجر لك قوته وعليه فجوره، قال: "صدقت، أنت القوي الفاجر فاخرج إليهم". ومحل الشاهد أن الناس كانوا يشكون أمراءهم ولا يعتبر ذلك خروجا ولا مروقا من الطاعة . 4- عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «المسائل كدوح يكدح بها لرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء تركه، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا» أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي. وإنما شرع سؤال السلطان لأنه مطالبة بحق لا مجرد سؤال . 5- روى مسلم في صحيحه عن موسى بن علي عن أبيه قال : (قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "تقوم الساعة والروم أكثر الناس"، فقال له عمرو أبصر ما تقول قال أقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك) . فثناء هذا الصحابي الجليل على هؤلاء الروم لامتناعهم من ظلم الملوك دليل على أن ذلك ليس مخالفا للسمع والطاعة المأمور به، والامتناع من الظلم أمر محمود على كل حال كما قال تعالى : {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} وهذا أمر عام لا مخصص له .
***
***
قال المانعون للمظاهرات : التظاهر يعتبر خروجا على الحكام وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج عليهم . والرد على هذا الكلام من عدة وجوه :
الوجه الأول :
أن الخروج على الحاكم له في الشرع صورة واحدة وهي حمل السلاح عليه وقتاله من أجل إسقاطه وانتزاع الحكم منه . أما الضغط على الحاكم بطريقة سلمية كالمظاهرات من أجل التخلي عن الحكم فلا يعتبر خروجا على الحاكم بل هو مطالبة بالتنحي وهذه المطالبة مشروعة إذا كان لها أسباب وموجبات، ومن حق الأمة عزل الحاكم إذا ظهر فيه انعدام الأهلية . ثم إن المظاهرات غير محصورة في المطالبة بإسقاط النظام بل قد تكون من أجل ما دون ذلك من قضايا مثل تحسين المعيشة أو الإفراج عن السجناء المظلومين ونحو ذلك . وفي هذه الحالة فلا معنى لاعتبار المظاهرات خروجا على الحاكم .
الوجه الثاني :
أن هؤلاء الحكام لا يعتبرون من الناحية الشرعية أئمة حتى يكون الخروج عليهم ممنوعا. وليس كل رئيس عصابة يسيطر على الشعب بقوة السلاح يسمى ولي أمر، فالإمامة لها شروط وواجبات .. وقد أشار النووي في الروضة إلى شروط الإمامة فقال : (أن يكون الإمام: مكلّفاً، مسلماً عدلاً حرّاً ذكراً، عالماً مجتهداً، شجاعاً ذا رأي وكفاية، سميعاً بصيراً، ناطقاً قرشيّاً) [روضة الطالبين: 10/42]. وقال القاضي عيّاض: (لا تنعقد الإمامة لفاسق ابتداءً) وإذا اعترض البعض بأن العلماء ذكروا بأن الإمامة تنعقد للمتغلب ..فالجواب أنهم ذهبوا إلى هذا القول تحقيقا لمصلحة الوفاق ودفعا لمفسدة الشقاق .. أي أن المتغلب يستمد شرعيته من كون المصلحة في بقائه في الحكم . ولا تتحقق هذه المصلحة إلا إذا كان المتغلب قائما بواجبات الإمامة والضروريات من حقوق الرعية . أما أن يكون الحاكم متغلبا وفي الوقت نفسه عاجزا أو ممتنعا من أداء حقوق الرعية فمعنى ذلك أنه لا مصلحة في بقائه في الحكم وبالتالي لا شرعية له لأنه إذا زال السبب زال المسبب . ولهذا قال ابن الوزير : (فإنّه روى عن الفقهاء أنّهم اشترطوا في طاعة المتغلّب إقامة الجمعات والأعياد، والجهاد، وإنصاف المظلوم غالباً ) [الروض الباسم لابن الوزير - (1 / 53)].
الوجه الثالث :
أن منع الخروج على الحاكم ليس مطلقا بل يكون ممنوعا إذا كان الإمام عدلا مستكملا لشروط الإمامة . ويكون مشروعا إذا كان الإمام مرتكبا لسبب من الأسباب المبيحة للخروج عليه .. وقد بينت بعض هذه الاسباب في رسالة "الانتصار للسجناء الابرار في فتنة الحار" وأنقله هنا لتمام الفائدة : ( إن النصوص الشرعية قيدت وجوب السمع والطاعة للإمام بتطبيق شرع الله . ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : (إن أمر عليكم عبد أسود مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا) فقيد وجوب طاعته بكونه يقود بكتاب الله . وهذا القيد المذكور ورد في روايات: مسلم وأحمد وأبي عوانة والنسائي وابن حبان والطبراني في المعجم الأوسط . والروايات التي لم يرد فيها هذا القيد يتعين حملها على هذه المقيدة لما علم من وجوب حمل المطلق على المقيد . ومن ذلك تقييده صلى الله عليه وسلم لحرمة الخروج على أئمة قريش باستمرارهم على إقامة الدين : فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن معاوية : قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين . وإذا كانت حرمة الخروج مشروطة بإقامة الدين بالنسبة لأئمة قريش الذين هم أشرف الأئمة فمن دونهم أولى . ومن ذلك أيضا تقييده صلى الله عليه وسلم لحرمة الخروج على الأئمة بإقامة الصلاة : فقد روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة . فدلت هذه الروايات كلها على ثلاث قيود لحرمة الخروج على الإمام هي : - كونه يقود الناس بكتاب الله (أي يحكم بكتاب الله). - كونه مقيما للدين . - كونه مقيما للصلاة . والقيد الرابع كونه لم يخرج من دائرة الإسلام وقد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه البخاري وغيره عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ). واعلم أن هذه الشروط الأربع لمنع الخروج على الإمام هي من قبيل الشرط على البدل الذي يعني أنه يكفي وجود أحد الشروط لتحقق المشروط كقولك إن قام زيد أو خرج فأعطه الثوب فإنه يستوجب إعطاء الثوب بأحد الأمرين ولا يشترط توفر الشرطين، وإلى هذا أشار في " المراقي " بقوله :
وما على البدل قد
تعلقافبحصول واحد
تحققا
فمشروعية الخروج على الإمام حاصلة
بانتفاء أحد القيود السابقة : الحكم بكتاب الله
أو إقامة الدين أو إقامة الصلاة أو عدم الخروج من الإسلام .) اهـ.
فهذه أربعة أسباب ذكرتها هناك تبيح الخروج على الحاكم وأزيد هنا
سببا خامسا فأقول: يشترط لحرمة الخروج على الحاكم
كون المفاسد المترتبة على الخروج عليه أعظم من مفسدة بقائه في الحكم
.. فإذا حدث العكس وظهر أن في الخروج عليه مصلحة
أعظم من المفسدة المترتبة على ذلك فقد تقرر في الأصول أن المصلحة الراجحة تقدم على
المفسدة المرجوحة، كما قال في مراقي السعود :
.......................***
وألغ إن يك الفساد أبعدا
أو رجح الإصلاح كالأسارا ***
تفدى بما ينفع للنصارا
وانظر تدلي دولي العنب *** في
كل مشرق وكل مغرب
الوجه الرابع :
نحن ننطلق من مبدأ أن هؤلاء الحكام كفرة مرتدون لعلتين :
الأولى : تبديلهم لشرع الله وامتناعهم عن تطبيق الشريعة وقد انعقد إجماع أهل العلم على مشروعية قتال الممتنعين عن الشريعة.
الثانية: موالاتهم لأعداء الله . وردة هؤلاء الحكام تبيح الخروج عليهم بإجماع المسلمين . لما روى البخاري عن جنادة بن أبي أمية قال : ( دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان). قال ابن حجر رحمه الله عن الحاكم: ( وملخّصه أنه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كل مسلم القيام بذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض). وإذا كان الخروج عليهم بالسلاح والقتال مشروعا، فلا شك في مشروعية إسقاطهم بما دون ذلك من وسائل . فمشروعية القتال دالة من باب أحرى على مشروعية التظاهر .
***
قام البعض ممن يحاول جاهدا تصوير المظاهرات على أنها من الأفعال المحرمة بجمع بعض الأمور التي اعتبرها مفاسد للمظاهرات فذكر منها : 1- أن القول بمشروعية المظاهرات يفتح الباب أمام أهل الباطل وأهل البدع لكي يطالبوا بما يريدون . 2- أنها تضييع الأوقات والأموال 3- أنها سبب لبعض المخالفات الشرعية مثل الاختلاط وترك الصلاة 4-أن فيها إثارة الفوضى في الشارع والعبث بالممتلكات 5- أن فيها تعطيل الانتاج ومصالح البلاد بسبب الإضراب عن العمل 6- أنها سبب لزعزعة أمن البلاد نتيجة لهذا التصارع والفوضى 7- أنها سبب لتعطيل مصالح الناس بإغلاق المحلات وتعطيل السير 8- أن المظاهرات سبب للشر والفتنة والتعدي على الآخرين ويندس فيها مثيروا الشغب 9- أنها ترك للسنة وإحياء للبدعة لأن الناس ينشغلون بها ويتركون الوسائل الشرعية . وجوابا على هذا الأمر نقول :
أولا :
ينبغي للقائلين بتحريم المظاهرات أن يحددوا أولا طبيعة حرمتها : هل هي محرمة بذاتها بغض النظر عما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد ؟ أم أن حرمتها ليست إلا بسبب ما يترتب عليها من مفاسد؟ فإذا كانت محرمة لذاتها فينبغي أن يبينوا لنا الأدلة الدالة على ذلك . وإذا كانت محرمة لما يترتب عليها من مفاسد فليعترفوا بإباحتها في الأصل ..وليقروا بإباحة كل مظاهرة تخلوا من تلك المفاسد . أما هذا الخلط بين حرمة الذات وحرمة الوصف فهو تدليس من أجل التلبيس.
ثانيا :
هذه المفاسد التي ذكروا على فرض وجودها فإنها ليست ملازمة للمظاهرات بل قد تحدث بصفة عارضة .. والأمور إنما يحكم عليها بالأوصاف اللازمة لا بالأوصاف العارضة .
ثالثا :
أن هذه المفاسد التي قالوا بأنها تقتضي حرمة المظاهرات قد تكون كذلك لو أن الهدف من المظاهرات هو المطالبة بتوفير "علب الشوكلاطه" وتوسيع "ساحات المنتزهات" .. أما وأن الأمر يتعلق بقضايا الامة الخطيرة الديني منها والدنيوي مثل موالاة الكفار والإعانة على قتل المسلمين .. ومثل إدخال المشركين في جزيرة العرب وإعانتهم على احتلال بلاد المسلمين .. ومثل ظلم عباد الله وتجويعهم وسومهم سوء العذاب وتمكين الكفار من ثروات المسلمين و تعطيل حكم الله .. فإن هذه المفاسد الكلية المحققة الخطيرة على الدين والدنيا التي يتحرك المتظاهرون اليوم من أجل رفعها لا يمكن أن تقارن بهذه المفاسد المظنونة الصغيرة التي ذكر المانعون .
***
كتب أحد الإخوة مقالا بعنوان: "حتى لا تغرق السفينة .. نصائح للمتظاهرين والمعتصمين من الموحدين" .. حذر فيه من الانخراط في المظاهرات وأورد بعض الشبهات وكان كلامه انطلاقاً من التحذير من ترك الجهاد أو الإنـخراط في الديمقراطية . وهذا رد على ما جاء في كلامه من شبهات :
الشبهة الأولى : لا يجوز التغيير إلا بالسيف
قال الكاتب : (فالدين لا يقوم إلا بالسيف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِبُرْهَانٌ» رواه البخاري، وذلك حين سأله أصحابه أفلا ننابذهم بالسلاح،ويفهم من هذا الحديث أن الطريق للتغيير هو الجهاد، فإن عدمت القدرة علىالجهاد وجب الإعداد لها ولا يجوز العدول إلى أسلوب آخر إلا بدليل). الرد عليها : من حيث المبدأ فهذا كلام صحيح .. فمنهج القتال ومنهج مدافعة الباطل هو الذي ينشر الله به الحق ويدفع به الباطل .. لكن التزام هذا المنهج لا يقتضي منع الوسائل الأخف منه إذا كانت مؤدية للغرض في حالة معينة .. فنحن مطالبون بالتزام هذا المنهج بشكل عام ولا يجوز أن نحيد عنه إلى أي منهج آخر. لكن بالنسبة للحالات والوقائع الجزئية فنحن مطالبون بسلوك الأسلوب الأقل كلفة والأخف ثمنا تحقيقا لأعظم المفسدتين وتجنبا لأعظم الضررين .. القتال ليس مقصوداً لذاته، دل على ذلك قوله تعالى : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وقوله صلى الله عليه وسلم : (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ). فمقصود القتال هو تحقيق هذه المقاصد الشرعية فإذا أمكن تحقيقها بالوسائل السلمية فلا حرج في استخدامها ما لم تكن ممنوعة في نفسها . بل إن النصوص الشرعية لم تبح قتل الكافر والمرتد إلا بعد طرق الوسائل السلمية المتمثلة في دعوة الكافر إلى الدخول في الإسلام أو دفع الجزية واستتابة المرتد ثلاثة أيام . فالقتال إذن ليس غاية وإنما هو وسيلة . والهدف والغاية هو الذي لا ينبغي العدول عنه بأي حال ..لأنه مقصود لذاته . أما بالنسبة للوسائل فينبغي استخدم الوسيلة الأنجع في الوصول إلى المقصد وإذا تعددت الوسائل فينبغي تقديم الوسيلة الأقل كلفة. ولهذا فإن المجاهدين مع وجوب الجهاد عليهم يؤمرون بالكف عن القتال في بعض الحالات الجزئية كما قال تعالى : {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} ومن ذلك ما حدث من صلح الحديبية مع أنه يعتبر فتحاً للمسلمين . ومشروعية الهدنة مع الكفار دليل على مشروعية ترك القتال في بعض الأحيان .. واستخدام الوسائل السلمية ليست إلا صورة من صور ترك القتال . وفي بعض الأحيان يكون ترك القتال خيراً للمسلمين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا) وقال تعالى : {وكفى الله المؤمنين القتال}. ولو كان القتال واجباً على المجاهد في كل حال لما جاز له الفرار تحيزا .. فلما جاز الفرار تحيزا-والفرار نقيض القتال- جاز من باب أولى استخدام أي وسيلة غير القتال في لحظة من اللحظات لتحقيق الغرض ما دام استخدامها لا يعني التخلي عن منهج الجهاد . الذي ندين الله به أن هؤلاء الحكام كفار مرتدون وأن قتالهم واجب بالكتاب والسنة ولكن مشروعية قتالهم لا تقتضي عدم مشروعية مدافعتهم بما هو أخف من ذلك من الوسائل السلمية .. فمشروعية الوسيلة الأثقل تقتضي مشروعية الوسيلة الأخف من باب أحرى والعكس غير صحيح . مثال ذلك لو أنا تمكنا من إزاحة هذه الأنظمة عن طريق استمالة أتباعها والمقربين منها بالمال حتى ينقلبوا عليها لما كان في ذلك حرج شرعي أو مناقضة لمنهج القتال .
الشبهة الثانية : حرمة المظاهرات لأنها من إفرازات الديمقراطية
قال الكاتب : (ولادليل نعلمه يجيز الذي تفعله بعض الجماعات الإسلامية لاستئناف الحياة الإسلامية من الدخول في اللعبة الديمقراطية سواء عن طريق البرلمانات أوالمظاهرات والاعتصامات أو الإضرابات أو غيرها من إنتانات الديمقراطية) . وقال : (فالدين لن يقوم عن طريق الديمقراطيةوإفرازاتها كالبرلمانات والاعتصامات والمظاهرات، ومن حسنت بدايته حسنتنهايته). الرد عليها :
أولا :
المظاهرات هي اجتماع الناس من أجل المطالبة بحقوقها وهذه ليست من إفراز الديمقراطية فقط بل هي قضية تتكرر في كل زمان ومكان بمختلف الأشكال والألوان . وكلام الكاتب فيه تسوية بين الشرك الممنوع والتظاهر المشروع، فالدخول في الديمقراطية يعني بصفة عملية الاحتكام إلى الشعب، أما المظاهرات فلا تعني أكثر من الاجتماع من أجل مطالبة السلطة بأداء حق الرعية كما قلنا . والنصوص الشرعية دالة على مشروعية هذه المطالبة وليس هناك وسيلة محددة لها يتعين اتخاذها دون غيرها فالعرف والواقع هو الذي يحدد ذلك .
ثانيا :
ليس صحيحاً أن التظاهرات والاعتصامات جزء من النظام الديمقراطي، فهذا النظام يتمثل في مجموعة من الإجراءات منها : التعددية الحزبية، والتداول على السلطة، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والاحتكام للدستور العلماني الذي يعلن أن الشعب هو مصدر السلطة، ويجعل الحكم للأغلبية، ويعطي للبرلمانيين حق التشريع . وكون هذه الدساتير الديمقراطية تنص على السماح بحرية التظاهر فلا يعني ذلك أن المظاهرات جزء من النظام الديمقراطي، فهذه الدساتير تنص على أشياء أخرى كثيرة مثل حرية التعبير وحرية التملك ومع ذلك فهذه أمور مباحة في الأصل ولو لم توجد الديمقراطية .
ثالثا :
إذا قبلنا-جدلاً- أن المظاهرات جزء من النظام الديمقراطي فهذا لا يعني بالضرورة عدم مشروعيتها، إذ لا ينبغي أن نحرِّم من هذه الديمقراطية إلا ما كان مشتملا على وصف محظور.
الشبهة الثالثة : المظاهرات ذريعة لترسيخ المنهج الديمقراطي في نفوس الناس
قال الكاتب : (ومن هذه المناهج التي أفرزتها الديمقراطية مناهج التغيير،كالمظاهرات والاعتصامات وما يسمى بالعصيان المدني، وهذه الأوضاع كلها ولدتمن رحم الكفر والديمقراطية، فالمنكر في نظرها ما أنكرته الديمقراطية أي ماخالفها، والمعروف هو ما أقره الكفر أي الديمقراطية، فإن تحكيم القرآن فينظر الديمقراطية منكر وجريمة لا تغتفر، إذاً فالمظاهرات ترسخ فكرةالديمقراطية وتدعمها، كما قالت (هيلاري كلينتون) : " إن ما يحصل في الدولالعربية من التغيير عن طريق المظاهرات والاعتصامات يخدمنا في محاربةالقاعدة وذلك بما ترسخه هذه الاعتصامات والمظاهرات في عقول الناس إنهاسبيل ناجع للتغيير بدل العنف "، نعم؛ صدقت وهي كذوبة، إن هذه المناهجوضعت أساسا لتكون بديلا عن العنف أو ما يسمى في دين الإسلام بالجهادوالتغيير باليد وهما لضرب المشروع الجهادي وتغيير مسار الحركات والجماعاتالجهادية، فتأمل ما قلته لك، ولا تتردد بالكفر بالديمقراطية وإفرازاتها) وقال : (إن الشرع إذا حرم الشيء حرم ما يفضي عليه وسد أمامه الأبوابوالطرق، وهذا الذي أقوله ليس ضربا من الخيال بل هو الفقه كل الفقه، وهوالمسمى بفقه سد باب الذريعة ...فكذلك لا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر في معصية الله، وبيانذلك أن الشريعة أباحت للمؤمنين أن يقوموا بإنكار المنكر فرادى أو جماعاتبأي طريقة يزول بها المنكر، فلو احتشدوا في مكان حتى يزول المنكر فيمايشبه الاعتصام لجاز شرعا، ولو خرجوا مخوفين ومهددين لأصحاب المنكر فيمايشبه المظاهرات لجاز أيضا، لكن لما ترسخ في أذهان الناس أن هذه هي منممارسات الديمقراطية وأنها من أصول دينها في التغيير وأن ممارسيها يوصفونبالديمقراطيين، حَرُمَ أن ينكر المنكر بهذه الطريقة للذريعة المفضية إلىالشرك، خصوصا وأن أعظم شرك في هذا الزمان هو شرك الديمقراطية، ودعوةالتوحيد قائمة على منابذته، فلا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نلبس علىالناس أمر دينهم بهذه الممارسات، لأن الصورة في ظاهرها تبدوا للناساعتصاما ومظاهرة وترسيخا للديمقراطية وإضفاء للصبغة الشرعية عليها، والمرءقد يكون فتنة لغيره وهو لا يدري، لا سيما إذا كان محسوبا من أهل العلموالدعوة أو كان من المجاهدين، ففي الوقت الذي يكون يبلغ فيه دعوة الله بينأنصاره أو ممن يسمعونه وقد يكونون بالمئات أو الألوف يكون في نفس الوقتيضل الملايين ممن يشاهدونه على شاشات الإعلام فصوته يصل إلى أنصارهوأفعاله تصل إلى الناس على شكل دعوة لممارسة الديمقراطية والاحتجاج السلمي . وهذا أمر متحقق، لمشابهتهه في الهدي الظاهر للديمقراطيين بغض النظر إلىالذي يدعوا إليه المتظاهرون،) وقال : (وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وَفَهِمَ عن الرسول صلىالله عليه وسلم مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن الأمر بالمعروف والنهيعن المنكر على صورة الاعتصامات والمظاهرات إنما هو ذريعة إلى ترسيخ مناهجالديمقراطية وفتوى عملية من قبل الموحدين بجوازها،) الرد عليها : وأما زعم الكاتب بأن المظاهرات تؤدي إلى ترسيخ الديمقراطية فهذا يعني أنه لم يعد يتحدث عن حرمتها لذاتها وإنما لما يترتب عليها من مفسدة وعندئذ فلا بد من الموازنة بين المصلحة والمفسدة فنحن نرى بأن مساعدة هذه المظاهرات في إزاحة هذه الأنظمة مصلحة محققة أما ترسيخها للديمقراطية فهي مفسدة مظنونة ولا ينبغي إلغاء هذه المصلحة المحققة من أجل تجنب مفسدة مظنونة . ثم إن هذه المفسدة يمكن تجنبها عن طريق دعوة الناس إلى اعتزال الديمقراطية وبيان ما فيها من محذورات شرعية . بل إن هذه المظاهرات قد تكون وسيلة في محاربة الديمقراطية وذلك أن هذه الأنظمة التي تطبق الديمقراطية هي الحاجز الذي يمنعنا من تبليغ الدعوة للناس وتحذيرهم من الديمقراطية، وبسقوط هذا الحاجز يمكن أن نحارب الديمقراطية بكل حرية . وبهذا الاعتبار تكون المظاهرات وسيلة للقضاء على الديمقراطية لا ترسيخا لها .
***
الخاتمة
كتبه
:
أبو المنذر الشنقيطي
11ربيع الثاني 1432 هـ .
أبو المنذر الشنقيطي
11ربيع الثاني 1432 هـ .
الصارم البتار على سفير الكفار
بيان المحكمة الشرعية بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين |
قال تعالى: {فقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ
أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} [التوبة: 12].
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، الذي أمرنا بموالاة المؤمنين الكرام وبمعاداة الطواغيت اللئام، والصلاة والسلام على رسول الأنام، النبي المقدام، المأمور بقتل جنود الكفرة الطغام، وعلى آله وصحابته الكرام، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القيام . أما بعد... فمن الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة؛ أن كل من قاتل دفاعاً عن حاكم كافر أو دستور وضعي؛ - كما يفعله أنصار الحكام المرتدين - فقد قاتل في سبيل الطاغوت. وكل من قاتل في سبيل الطاغوت؛ فهو من أئمة الكفر الذين أوجب الله تعالى قتالهم، وألزمنا بمعاداتهم. وكل من قاتل في سبيل الطاغوت بالقول أو الفعل؛ فهو من أئمة الكفر وأعمدة بقاء الطاغوت، وقد أمرنا الله تعالى بقتال أمثال هؤلاء، فقال تعالى: {.وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء: 76]. فالطاغوت؛ هو الشيطان الداعي والمناصر للكفر، وأن من يقاتل في سبيل الطاغوت؛ فهو إنما يقاتل في سبيل الشيطان، لأن أولياء الشيطان هم الكافرون، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257]، وقال سبحانه {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27]. ويدخل في الطاغوت؛ كل من تحوكم إليه من دون الله من حاكم بغير ما أنزل الله، أو دستور، أو قانون كفري. وهذا من أظهر الأدلة على كفر أنصار الحكام المرتدين - بالأقوال والأفعال - ومنهم سفراء الحكومات المرتدة، لأن السفارة - كما هو معلوم - إنما هي دائرة استخبارية، يتم من خلالها تناقل المعلومات وتنظيم الجواسيس، وهي قبل ذلك تمثل حكومة دولتها. ومن المعلوم أن طاغوت مصر... أما استدلال بعض الناعقين - الذين يزعمون أنهم علماء - على أن رسل الكفار لا يقتلون، بالحديث الذي ورد عن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد امتنع عن قتل رسُل مسيلمة الكذاب، وكان أحدهم قد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم رسالة مسيلمة الكذاب، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لولا أن الرسل لا تقتل لأمرت بقتلهم). ونرد على هؤلاء المستدلين بهذا الأثر من وجهين: أولاً: أن هذا قياس مع الفارق بين هذا الحدث وتلك الواقعة، حيث إن هذا السفير لم يأت برسالة إلى الطائفة المسلمة المجاهدة، وإنما جاء برسالة تثبيت لنظام دولة صليبية/علقمية، ليتسنى لليهود بعد ذلك تحقيق حلمهم الموهوم بامتلاك "أرض الميعاد" المزعومة . ثانياً: أن هذه السفارات ما هي إلا مراصد لاقتناص المهاجرين المجاهدين، وذلك بتتبعهم وقطع الطرق عليهم، ومنع تواصلهم مع إخوة الجهاد والعقيدة في أرض الرافدين وفي أفغانستان وغيرها من ثغور الرباط. وما تسليم علم الجهاد وعالم الإسلام؛ الشيخ الوقور عمر عبد الرحمن عنا ببعيد، حيث سُلم إلى رأس الكفر أمريكا عن طريق وكر الخيانة والتجسس - السفارة المصرية في إسلام آباد – ولمن لا يعلم عما يفعله طاغوت مصر بالمجاهدين في أرض الرافدين، نقول: فو الله ما واجه الإخوة محققين أخبث وأشد إيذاءً من ضباط المخابرات المصرية في سجن "أبي غريب" وسجن "بوكا" ومحاجر مطار بغداد الدولي. وقد جاء اليوم الذي نثأر فيه لإخوتنا وإسلامنا من طاغوت مصر وزبانيته، ونحمد الله تعالى أن مكننا من أسر احد أئمة الكفر؛ سفير مصر المدعو "إيهاب الشريف"، الذي كان يعمل لدى السفارة المصرية في دولة اليهود اللقيطة. وما هو مصير دولة والت اليهود والنصارى وحاربت المسلمين وآذتهم وشردت الموحدين وانتهكت المحرمات؟! فلا مصير له إلا الخزي في الدنيا وله في الآخرة عذاب أليم . وهذا مصيركم يا سفراء دول الطاغوت، فعراق الجهاد اليوم ما بات آمنا للكافرين، لأن الله تعالى قيض له رجالا يذودون عن دينه ويثأرون لحرماته، وأمريكا لا تستطيع حماية نفسها فضلا من أن تحمي غيرها. ولهذا كله؛ قررت "المحكمة الشرعة بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" تحويل المرتد سفير دولة مصر، الموالية لليهود والنصارى إلى المجاهدين، كي ينفذوا حد الردة فيه. قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما] . والله أكبر... الله أكبر، ولله العزة ولرسوله وللمجاهدين .
وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبارك
وسلم
المحكمة الشرعة بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين
الأربعاء؛ 28/من جمادى الأولى/1426 هـ |
الأحد، 2 ديسمبر 2012
حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية
حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية | | ||||||||||||||||
|
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)