الأحد، 4 نوفمبر 2012

حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية



  الكاتب : أبو بصير الطرطوسي



الأمة تُزاول السلطة بإذن الله، وليست هي مصدر السلطة
يوجد فرق بين مزاولة الأمة لسلطة الحكم بما أنزل الله، وبين أن تكون هي مصدر الحكم والتشريع كما هو الحال في النظم الديمقراطية.

فالأول حق من حقوق الأمة، والثاني شرك وكفر لا ينبغي لمخلوق أن يتجاسر عليه – أيّاً كان موضعه وكانت رتبته - أو أن ينسب نفسه إليه إلا في حال آثر الكفر على الإيمان، وليس فوق الكفر ذنب...

فالأمة من حقها أن تختار من يحكمها بشرع الله تعالى، ويسوس أمرها ودنياها بالدين، ممن ترى فيه الصلاح والكفاءة لهذا المنصب من المؤمنين الموحدين.

كما من حقها – ممثلة في علمائها والصفوة الأخيار – أن تراقب السلطان المسلم، وأن تحاسبه – وفق ضوابط وآداب الشرع – على أي تقصير يبدر منه، وأن تقومه في حال انحرافه وخروجه عن جادة العدل والصواب...

ومن حقها كذلك أن تعزله ولو بالقوة في حال طرأ عليه الكفر البواح، وأن تختار غيره – عن طريق الشورى – من المسلمين ممن يستقيم به أمر الدنيا والدين...

ولها كامل الحق في أن تقول للظلم لا، وللظالم ألف لا، ولو كان خليفة عامّاً للمسلمين، فليس لمخلوق على الأمة حق الطاعة لذاته، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنه لا عصمة لأحد بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي ليست لمخلوق – مهما على قدره – القدسية التي تجعله في مرتبة فوق المساءلة، فالذي لا يُسأل عما يفعل هو الله تعالى وحده، وهذا ليس لأحدٍ سواه.

يكفينا في ذلك قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) [52].

وقوله صلى الله عليه وسلم: (طاعة الإمام حق على المرء المسلم، مالم يأمر بمعصية الله عز وجل، فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له) [53].

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا بيده، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) [54].

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أمركم من الولاة بمعصية فلا تطيعوه) [55]، وغيرها كثير من النصوص التي تدل على أن أمة الإسلام لا تعرف السلبية، ولا الخور والجبن – الموجود عند بقية الأمم والشعوب – في التعامل مع الظلم والظالمين وبخاصة إن جاء من جهة السلاطين، وصفحات التاريخ الإسلامي مليئة بالبراهين الساطعة الدالة على ذلك [56].

ولكن ليس للأمة الحق في أن تتجاوز قدرها ووظائفها، فتزعم لنفسها خاصية سلطة الحكم والتشريع، أو حق الاختيار لما تشاء من المناهج والشرائع، أو حق اختيار من تشاء من الرجال بغض النظر عن دينهم وانتماءاتهم، فهذا ليس من حقها، ولا يجوز لها أن تستشرفه أو تدعيه لنفسها.

فالأمة حينما تختار من يحكمها، يكون اختيارها بين مؤمن ومؤمن، وصالح وصالح لتختار أكثرهما صلاحاً وإيماناً، وليس بين كافر ومؤمن، أو كافر وكافر لتختار بعد ذلك من تشاء منهما كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية، فهذا لا يجوز إقراره لمخالفته الظاهرة لنصوص الشرع.

فاجتماع الأمة – على افتراض تحققه، لأن أمة الإسلام لا تجتمع على ضلالة – على اختيار الباطل، فإنه لا يحيل هذا الباطل حقاً، ولا يعطيه حتى الشرعية في الوجود فضلاً عن أن يحكم البلاد والعباد!

وهذا المعنى قد أشار إليه سيد رحمه الله بقوله: (والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله، ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته، إنما مصدر الحاكمية هو الله. وكثيرون حتى من الباحثين المسلمين يخلطون بين مزاولة السلطة وبين مصدر السلطة، فالناس بجملتهم لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده، والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه، أما مالم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية، وما أنزل الله به من سلطان) [57].

وقولنا أن الأمة ليست هي مصدر سلطة التشريع، هذا لا يمنع من أن تسن لنفسها القوانين – فيما لا يتعارض مع شرع الله – ذات العلاقة بشؤون حياتها الإدارية والتنظيمية، مما لم يرد فيها نص من قِبل الشارع.

يقول الشنقيطي في أضواء البيان 4/84: (اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السماوات والأرض، وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك. وإيضاح ذلك أن النظام قسمان: إداري، وشرعي. أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع، فهذا لا مانع منه، ولا مخالف فيه من الصحابة، فمن بعدهم. وقد عمل عمر رضي الله عنه من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ككتبه أسماء الجند في ديوان لأجل الضبط، ومعرفة من غاب ومن حضر، وكاشترائه – أعني عمر رضي الله عنه - دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجناً في مكة المكرمة، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ سجناً هو ولا أبو بكر.

فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور مما لا يخالف الشرع لا بأس به، كتنظيم شؤون الموظفين، وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به، ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة) اهـ.

وأي قانون من هذا القبيل يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:

1) أن لا يكون فيما قد نصت عليه الشريعة؛ لأنه لا اجتهاد مع النص.

2) أن لا يأتي هذا القانون معارضاً لشيءٍ من نصوص الشريعة.

3) أن يكون هذا القانون منسجماً مع تعاليم وروح الإسلام؛ فلا يُعقل مثلاً أن يُشرع قانون ينص على دوام الطلاب للدراسة وقت صلاة الجمعة!

4) درءاً للوقوع في المحظور ومخالفة نصوص الشريعة، فإن الذي يقوم بإصدار هذه القوانين هم علماء الشريعة الربانيين ممن لهم دراية بالواقع، وليس من لا علم لهم بالشريعة ولا بنصوصه ممن يختارهم رعاع الناس وعوامهم كما هو حاصل في الديمقراطيات المعاصرة!

فإن تعثر ذلك فإنه لا مانع من تشكيل لجنة رقابة من هؤلاء العلماء تُعرض عليهم القوانين الصادرة عن الجهات المختصة، ليقوموا بفحصها ودراستها من حيث مخالفتها أو موافقتها لنصوص وروح الشريعة، فترد القوانين المخالفة، وتُقر القوانين الموافقة.



[52] أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع: 1974.

[53] السلسلة الصحيحة: 752.

[54] أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي وغيرهم، الصحيحة: 1564.

[55] أخرجه أحمد، وابن ماجة، وابن حبان، الصحيحة: 2324.

[56] يكفي للإنسان الأوربي – الذي يزعم لنفسه الحرية والعزة وعدم الخوف من السلاطين - لتنفيذ قوانين وأوامر الحكام – وإن كان فيها هلاكه ومص دمه وثمرة جهده - أن يقال له: هذا الأمر قانوني، أو فيه قانون...تراه مباشرة وبسلبية عجيبة يستسلم للأمر الواقع كالعبد الذليل الجبان بين يدي جلاديه وأسياده، ولا غرابة من ذلك فهو ورث هذا الخوف والجبن من طغيان القانون عن آبائه وأجداده الذين عاشوا سطوة وبطش القياصرة، إضافة إلى ما عانوه من ظلم أحبار ورهبان الكنائس!

[57] في ظلال القرآن: 4/1990.
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق